٭ لم أسأل كندة عن من هم الذين عناهم بالممثلين الحقيقيين لأبناء النوبة، ومن تكون تابيتا ورهطها؟، ومن يكون أبناء النوبة الذين يحملون السلاح؟، وغير ذلك من أسئلة تثيرها أطروحة كندة وطريقه الثالث. لم أسأله لأن ذهني قد إنصرف في تلك اللحظات الى معنًى بعيد لا يجتزىء قضية السلام المفقود في حيز جغرافي محدد، بل يتمدد الى كافة أجزاء الوطن، ذلكم هو السلام الاجتماعي بمعناه الأعم والأشمل الذي لا يعني غياب العنف والحرب فحسب، وإنما أيضاً يعني الهدوء والاستقرار والصحة والنماء.. الخ، وأول ما تذكرت في هذا المعنى حكاية أبونا فيليب عباس غبوش مع الغناء الهابط من عينة «حمادة بابو جنب بابنا، حمادة بوظ أعصابنا» و«كدا كدا يا الترلة» و«عمك حسبو شتت قصبو، حمارتو عارت وطاقيتو طارت» الى آخر هذا الغثاء الذي يعرف بأن قبيحه يشيع الفاحشة، وحسنه يخدش الحياء العام، فقد طالب «أبونا فيليب» مغنواتية هذا الحشف بألا يعنصروا الغناء ويحصروه على مجتمع محدد، وأن ينفتحوا به على أهله من أبناء جبال النوبة، وأن يجد كوكو نصيبه منه كاملاً لا ينقص شطرة أو لزمة من أنصبة حمادة ولؤى ووائل، وغيرها من الأسماء المنسوبة لأبناء الذوات وأولاد الراحات، التي يرد ذكرها في هذه الأغاني، ليطرب وينتشي وهو يستمع لاحداهن وهى تتغزل في كوكو أو كندة أو تية، أو غيرها من الأسماء التي ما إن تسمع أحدها لا يخالطك شك في أن صاحبها ينتمي الى أحد الجبال البالغ عددها تسعاً وتسعين جبلاً.
٭ الشاهد في أطرحة كندة مقروء مع حكاية أبونا، أن الحاجة ما تزال ماسة وملحة لقيادة مبادرة من الداخل تقودها الفعاليات المجتمعية والثقافية والنشطاء في مجالات العمل العام من أجل السلام الاجتماعي والتدامج والتلاقح الثقافي، وتحقيق درجة من الانسجام في العلاقات البينية بين المجتمعات المحلية المختلفة، والعمل على أن تسود حالة من الهدوء في العلاقات بين الجماعات المختلفة، بما يفضي في النهاية الى بناء المجتمع ككل على أسس سليمة من التجانس والتلاحم والاحترام المتبادل، وهذه عملية لا تتم بالقرارات ولا الاتفاقيات مهما كانت، وإنما بالحراك المجتمعي وحركة المجتمع اليومية.
حيدر المكاشفي
صحيفة الصحافة