بالشيش بيش نعيش

بالشيش بيش نعيش
قرأت في صحيفة خليجية قبل حين من الدهر عن نابغة كندي يبلغ من العمر خمس سنوات، ومن قرأوا عن ذلك الفتى سيصيحون محتجين: لا إنه لبناني! وسأرد عليهم: كان، كان لبنانيا (ما رأيكم في نظريتي أن انتهاء اسم بلد بالألف والنون يجعله معرضا للحروب الأهلية والتدخلات «الخيرية» من الولايات المتحدة من دول الجوار: لبنان، والسودان وافغانستان والشيشان والبلقان وكازخستان وطاجكستان وعندك في أوروبا اليونان التي صارت ع الحديدة وأفلست وصارت تبحث عن كفلاء يسددون ديونها ويقرضونها رواتب الموظفين والعمال) المهم صحيح أن والدي ذلك الطفل كانا لبنانيين وهاجرا الى كندا حيث ولد صاحبنا هناك، وصاروا جميعا كنديين، وبدأ الطفل يتكلم وعمره سبعة اشهر، وفي سن الثانية كان يعرف استخدام الأطلس، ويعرف مواقع نحو 100 دولة وعواصمها وأعلامها، أما جدول الضرب الذي ما زال ابو الجعافر يستعين عليه بالآلة الحاسبة، فقد حسم الصغير أمره قبل ان يكمل الثانية ايضا، وببلوغه سن الخامسة كان يتحدث العربية والفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ويستطيع ان يستذكر أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين خلال اقل من 90 ثانية، وما ان ذاع أمره حتى انهالت عليه العروض من مدارس النوابغ والمتفوقين في الولايات المتحدة حتى فازت إحداهن به، وأثار ذلك حفيظة بعض نواب البرلمان الكندي الذين قالوا ان ذلك النابغة اضطر الى الذهاب الى الولايات المتحدة لعدم وجود مدارس خاصة بالموهوبين في كندا، وأنه لابد من إنشاء مدرسة خاصة به على وجه السرعة، يكون هو تلميذها الأوحد الى ان يلتحق بها غيره لاحقا، ولكن العرض الامريكي كان مغريا فقرر والداه النزوح به من كندا الى الولايات المتحدة، ومنحوهم الجنسية الأمريكية حتى يتسنى للعبقري الصغير البقاء في البلاد كي تستفيد منه مستقبلا، وهكذا سينشأ الطفل الكندي وهو غير معني بـ14 أو 7 آذار، ولا يعرف كثير شيء عن وليد جنبلاط أو ميشيل عون، وكان الله في عون من يعرفهما… أرجو الرجوع الى الجملة الأولى من هذا المقال،… بس.. توقف هنا: «يبلغ من العمر خمس سنوات»!! لم تقل جهة ما: اللائحة لا تسمح،.. هذا الولد دون السادسة، ولن يدخل المدرسة إلا على جثتي!! ثم هو مستعجل على ايش؟ وتذكرت يوم ذهبت بعيالي الى مدارس لندن قادمين من قطر عندما قال لي مدير المدرسة الابتدائية: بنتك عمرها 8 سنوات ويا دوب كملت السنة الثانية؟ يا عيب الشوم… لازم نسجلها في الصف الرابع.. يا خواجة هي لا تعرف حتى «يس» و«نو».. ولا يهمك.. خليها علينا ولو ما صارت بلبل في اللغة الانجليزية خلال اربعة أشهر احلق دقني وشنبي! ولم يضطر بعد تلك الأشهر الأربعة إلاّ إلى حلاقة شعر رأسه!
ما حدث مع ذلك الطفل «الكندي» – وضع تحتها عشرة خطوط – هو ان المؤسسات التعليمية في بلدين كبيرين وغنيين ومليئين بالمواهب والنوابغ تصارعت للفوز به، وتفهمت سلطات الهجرة الأمريكية أهمية اجتذاب شخص موهوب فسمحت لعائلته بدخول الأراضي الأمريكية مهاجرين قانونيين، رغم انهم يحملون الجينات الارهابية لكونهم مسلمين وعربا، وفي حفل مهيب في جلينلاند في ولاية اريزونا الامريكية تسلمت أماندا الجمل وعمرها 8 سنوات جائزة التفوق ورسالة تقدير من الرئيس الامريكي، وهذه البنية هاجر اهلها من مصر مؤخرا، وقد تصبح علما مثل أحمد زويل، فنتذكر عندها انها «كانت» مصرية!! إنهم استشرافيون، وعندهم الفيوتشرولوجي أي علم المستقبل، بينما نحن نستهدي بالـ «شيشبيشولوجي»، فأمورنا شيش بيش، وكل شيء بالحظ والمصادفة، والتخطيط عندنا فيه الكثير من الطيط، والقليل من الـ«تخ»، الذي هو الضرب في الصميم..
بصفة عامة يمكن القول إننا نقامر في كل شؤون حياتنا العامة، نكلف شركة بإنشاء جسر علوي، ويكتمل المشروع ونكتشف أنها اكتفت بإقامة نفق، فنقول: نفق، نفق… خلاص يؤدي الغرض! وقس على ذلك: نقامر بثرواتنا وقضايانا وبمستقبل أولادنا وأحفادنا ولا نفكر في الغد بحجة أنه «ليس في اليد»، والآدمي عندنا يصبح مجرد رقم او إحصائية منذ اليوم الأول لالتحاقه بالتعليم النظامي، وشيئا فشيئا يتحول الى دمية تتحكم فيها اللوائح والقوانين التي صاغها ساديون،.. فتضيق بلداننا على اتساعها بأبنائها وبناتها فيهاجرون ويطفشون.. وتحتضنهم بلاد لا يعرفون لسانها ولا عاداتها فتعيد برمجتهم ليتفوق بعضهم فتتباهى بهم بلاد المهجر فلا يبقى لنا سوى ان نصيح: بس من أصول عربية!
جعفر عباس
[EMAIL]jafabbas19@gmail.com [/EMAIL]
Exit mobile version