ويمكن وصف فعلهم ذلك أيضاً بالضعف العسكري بصورة عامة، وبصورة خاصة فإن ما حدث يُعزى الى ضعف قيم الشهامة والرجولة عندما يتم القتل بدم بارد الذي ليس من شيم الرجال وأخلاق المقاتلين في شيء.. إذن كل ذلك يبرر قرار الرئيس بوقف التفاوض مع القتلة.. وحول هذا الخصوص يقول المحلل السياسي البروفيسورحسن الساعوري لـ «الإنتباهة» إن أية سياسة في أي نظام في العالم تقوم على مبدأ الحوار وليس السلاح، وان تمرد أية جهة وحملها السلاح يتوجب أن يتعامل معه بالقوة واستخدامها بكل بطش وقوة، وفي ذات الوقت لا يقفل باب التفاوض والحوار، مستدركاً بقوله إن ما حدث في أبو كرشولا فاق حد البشاعة مما يتطلب رداً قوي البطش، في إشارة إلى تبرير قرار وقف التفاوض.
أكثر من مراقب سياسي واستناداً على فظائع متمردي الثورية والقطاع، يرون أن استرداد أبو كرشولا هو بداية النهاية لحركات التمرد بولاية جنوب كردفان. وهل تعي كل القوى السياسية أن السودان بلد واحد يضم كل الإثنيات ويتطلب أن تتضافر جهود أبنائه لحمايته وصون عرضه وأرضه؟ ومهما قيل فإن هناك جملة من المؤشرات تجعل قرار وقف التفاوض أكثر حنكة وموضوعية، ويمكن أن نرصدها على النحو التالي:
أولاً: الهجوم الغادر الذي استيقظ على إثره سكان أحياء أم روابة في ولاية شمال كردفان بدوي المدافع وأصوات الرشاشات في أواخر أبريل المنصرم، كان بداية انطلاق شرارة الاعتداء على أبو كرشولا التي احتلت مساحة واسعة في كل الوسائط الإعلامية المحلية والعالمية، لما اتصف الاعتداء عليها من وحشية وقسوة وممارسات لا تمت إلى الإنسانية بأدنى صلة. ثانياً: عاش كل أبناء الشعب السوداني لحظات عصيبة وهم يتابعون الأخبار الواردة اليهم للاطمئنان إلى سلامة أسرهم الموجودة هناك، فتشكيل الجبهة الثورية الذي يتكون من حركات دارفور المسلحة والحركة الشعبية قطاع الشمال الذين اجتمعوا لقتال الجيش السوداني في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وإقليم دارفور كانت له أبعاد سالبة على معنى الإنسانية والحفاظ على قيم الدين والعرض وأرواح المواطنين، وقد واصلت الجبهة عدوانها على الرغم مما رفعته من شعارات تدعي فيها تبنيها لقضايا الوطن والمواطنين، إلا أن ما قامت به من ترويع وانتهاكات وفظائع يندى له جبين الإنسانية وقيمها ومعاني الوطنية، وقد تبين كل ذلك بعد تدميرهم لكل المرافق الخدمية والبنى التحتية ونهب ممتلكات المواطنين وتفجير محطات الوقود واغتصاب النساء وقتل الشيوخ والأطفال .مقارنات سريعة ثالثاً: عندما نجتر أحداث أبو كرشولا وأم روابة ونقارن بين سلوك ما يسمى تحالف الجبهة الثورية في ام روابة وابو كرشولا وسلوك حركات دارفور عند الاعتداء على الفاشر في عام 2003م، واعتداء حركة خليل على ام درمان في 2008م، نجد ان القاسم المشترك بين تلك الاعتدءات هو الهدف الاعلامي بتسجيل حضور اعلامي في خريطة الفعل السياسي، فإعلان الوجود والميلاد انطلق في عام 2003م، واثبات القدرة والفعل العسكري كان في عام 2013م.
والذي ميز أحداث عام 2013م في ابو كرشولا وام روابة هو القتل والذبح والإجهاز على الهوية، وهو فعل مارسه أيضاً قطاع الشمال والحركات الثورية، الأمر الذي لم يحدث في اي من المرات السابقة.
الخروج عن طور الإنسانية رابعاً: المتابع للأحداث التي وقعت بسبب هجوم القيادات العسكرية للجبهة الثورية على مناطق أبو كرشولا بجنوب كردفان والله كريم ومدينة أم روابة في شمال كردفان بنهاية شهر ابريل 2013م، يجد أنها أحداث اقل ما توصف به أنها مخزية وخالية تماماً من الإنسانية وخارجة عن الأعراف والتقاليد السودانية، نسبة لما حدث فيها من انتهاك بين وواضح للإنسانية من قتل وتشريد للمدنيين وتدمير للبنيات التحتية والخدمية للمواطنين واغتصاب للنساء، وهي بكل تأكيد ليست المرة الأولى من نوعها التي ترتكب فيها مثل هذه الفظائع فقد سبقتها مجازر أخرى اشد في العديد من قرى ومدن دارفور مثل ام برو، كرنوي، الطينة بشمال دارفور، ولم تسلم قرى بغرب دارفور وايضا في جنوب دارفور مثل قريضة، مهاجرية، حسكنيتة وشعيرية، فهذه القرى أحرقت ثم استعادت عافيتها ثم دمرت مثنى وثلاث. مسرح غير مألوف!! خامساً: انتقال الأحداث بصورة عبثية ودموية إلى أبو كرشولا تجاوز حد الحروب التي دارت بين الشمال والجنوب على كل الحدود، وهو ذو أبعاد أمنية وسياسية واجتماعية، فانتقال الحرب سواء أكانت شاملة او تحت مسمى آخر الى بقعة تتوسط السودان تبتعد عن سياسة مناطق النزاع التقليدية، يجعل الرؤية تختلف وتتشكل مسارح جديدة تتعاطى مع الحدث بصورة مختلفة، لما تتميز به أبو كرشولا من موقع جغرافي يمثل خاصرة للسودان بعد انفصال الجنوب، وهذا يشير إلى أن الاتفاق على فك الارتباط بين جوبا وقطاع الشمال كان مجرد «ونسة» خاصة أنه الذراع السياسي والعسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان، فالهجوم على المدينة التي اشتهرت بالتجارة والمواشي جاء غداة فشل مباحثات في أديس أبابا بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال والتي لم تدم طويلاً كأنها جلسة تعارف مبدئية!! القتل الإثني!! سادساً: صاحب الاعتداء على أبو كرشولا العديد من الانتهاكات ومجازر التشفي والقتل، حيث قام المعتدون بذبح أكثر من ثمانين فتاة من الإثنيات العربية على مرأى ومشهد من الأهالي بعد أن رفضن الانصياع لأوامرهم بالذهاب معهم سبايا، وفضلن الموت على القيام بذلك.
وحسب أقوال شهود عيان فإن القسوة في القتل والتشفي لدرجة التمثيل بالقتلى كانت من أبرز المشاهدات التي اختزنتها كل الاذهان ولن تبارحها، مما أصاب الناجين من الأطفال والنساء بحالة من الهلع والرعب وهم يقطعون المسافات سيراً على الأقدام بأطفالهم، خاصة أن الهجوم كان مشتركاً ما بين منسوبي الجبهة الثورية والحركة الشعبية، وكانت من بين المعتدين مجموعة من المنسدين من أبناء المنطقة الذين ينتسبون للحركة الشعبية، فضلاً عن وجود خلايا نائمة كانت موجودة بينهم وشخصيات معروفة للأهالي، وسرعان ما انفضح أمرهم بعد دخول المتمردين بانضمامهم لصفوفهم وتحديدهم للإثنيات المستهدفة.
أجندة خفيَّة سابعاً: إن ما حدث في منطقة أبو كرشولا وغيرها من المناطق بشمال كردفان، لا يخرج عن الأجندة التي لم تعد خافية على أحد بوصفها واحداً من الأهداف التي تستخدمها دول البغي والطغيان في محاولات متكررة لإضعاف السودان من أطرافه وتمزيقه، وأحد السيناريوهات التي تحاول بها تلك الدول تمزيق السودان وتجزئته إلى دويلات، واستخدام القضايا المتعلقة بالعرق والدين لإحداث وتنفيذ هذا المخطَّط الخطير وفي هذا الزمن الدقيق، لتقسيم السودان إلى خمس دويلات في دارفور والشرق والوسط، والذي يحدث في جبال النوبة وأبو كرشولا واحدة من هذه الوسائل عبر استحداث دولة جبال النوبة الفيدرالية. مناشدات دولية وهناك دعوات السودان المتواصلة لدولة الجنوب بأن تعمل على ضمان وقف كل انواع الدعم والايواء والتسهيلات التي تتلقاها هذه المجموعات المسماة الجبهة الثورية والتي مازالت تصر على اساليب الارهاب والعدوان على الابرياء والمرافق العامة والممتلكات الخاصة.وناشدت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها بعد أحداث أبو كرشولا المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات صارمة وحاسمة لمنع هذه المجموعات الإرهابية من الحصول على الدعم والمساعدات التي تمكنها من التمادي في فظائعها التي ادانتها كل المنظمات الدولية والاقليمية.
وقال البيان إن الاعتداءات الاخيرة لهذه المجموعات وعلى رأسها ما يسمى قطاع الشمال بدأت قبل انتهاء جولة المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال، بعد أن أثبت القطاع أنه لا يؤمن بالتفاوض ولا الحوار، ولا يرى وسيلة لتحقيق أهدافها وطموحات قياداته الا عن طريق البندقية.
وأضاف البيان قائلاً: «غني عن القول إن تحقيق السلام والتنفيذ الكامل لاتفاقية التعاون بين البلدين، لن يكون ممكناً في ظل استمرار المساعدات لهذه المجموعات عبر الحدود مع جنوب السودان، خاصة أن هذه المجموعات قد أعلنت من قبل أنها لن تسمح بتنفيذ اتفاقيات تعاون بين البلدين».
إذن كل تلك المعطيات التي سبقت الإشارة إليها تجعل قرار الرئيس البشير بوقف التفاوض مع قطاع الشمال والجبهة الثورية قراراً له ما يبرره وله من المنطق ما يسنده.
صحيفة الإنتباهة
ربــــاب علـــــي