قيادات سياسية «فضلت حجب أسمائها» تقول في حديثها لـ(الصحافة) أن أهل السودان (ملوا وسئموا الحرب ويئسوا منها )، ويقولون إنها القت بظلال سالبة علي مجمل الأوضاح بما فيها «قفة الملاح»،الا ان هؤلاء القيادات رسموا سيناريوهات مختلفة لما قد تؤول إليه الأوضاع على واقع الأرض في المرحلة المقبلة ،في ظل استمرار التصعيد العسكري وإيقاف التفاوض الذي كان يتوقع أن تستأنف جولته الثانية منتصف الشهر القادم، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي (2046) ،الذي نص على أن يقوم (السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال) بالتعاون الكامل مع الفريق رفيع المستوى التابع للاتحاد الأفريقي، ومع رئيس منظمة الإيقاد من اجل التوصل إلى تسوية للحرب في المنطقتين عبر المفاوضات على أساس إطار عمل اتفاق 28 يونيو 2011م المعروف بـ(نافع وعقار) حول (الشراكة السياسية والتدابير الأمنية والسياسية) في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، ،وأن يقبل (السودان بالمقترح الثلاثي الذي قدمه الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية للسماح بدخول الاغاثة الإنسانية للمناطق المتأثرة في المنطقتين ،كما أن القرار الأممي ذاته قد أقر عقوبات دولية بموجب المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة ، ولكنها معنية بها دولتا (السودان وجنوب السودان ) وليس في حالة (السودان مع الحركة الشعبية / قطاع الشمال) وتطبق في حالة عدم امتثال أي من الطرفين (السودان أوحكومة السودان او كلاهما) للقرار الأممي (2046) ،مع تشدده على ضرورة الحاجة إلى العودة إلى سلام شامل وعادل ودائم بين (السودان وجنوب السودان ).
أما ديباجة التفاوض من خلال الورقة التي تقدمت بها الحكومة السودانية في طاولة التفاوض في أديس أبابا بين (الحكومة وقطاع الشمال ) ،أسمت طرفى التفاوض (حكومة السودان والمواطنين السودانيين من ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان) ، الذين هم أعضاء فى الحركة الشعبية ( قطاع الشمال) ، وقد اعترفت الحكومة في رؤيتها بأن النزاع في ولايتي جنوب كردفان و النيل الأزرق يمكن تسويته (فقط) عن طريق «الحوار السياسي السلمي» ، وأكدت الحكومة أنها مدركة للحاجه الملحة لإنهاء النزاع المسلح وإيقاف الحرب فى المنطقتين و لتمكين المساعدات الإنسانية من الوصول للمحتاجين ، و تهيئة بيئه مواتية لعودة اللاجئين و النازحين الي ديارهم ،ولأجل مواصلة الحوار السياسي ،وقالت إنه من أجل ذلك كله ، وتأكيداً لالتزام الأطراف بأحكام ومطلوبات البيان الختامي وخارطة طريق مجلس السلم و الأمن التابع للاتحاد الأفريقي الصادر في 24 أبريل 2012 وقرار مجاس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ( 2046) الصادر فى مايو 2012 ، يلتزم الطرفان بالاستمرار في السلام في إطار جمهورية السودان كـ(دولة ديمقراطية) تستوعب الجميع و تلتزم بالوحدة فى التنوع ، ويدركون بأن التسوية الشاملة للنزاع في المنطقين مطلوبة ، وأكدت الحكومة فى ورقتها على حق أي مجموعة من مواطني السودان ترغب فى العمل السياسي السلمي أن يتم تسجيلها وتعمل كـ(حزب سياسي) وفقا للقانون ،وإذ تؤكد الحكومة بأن أطراف النزاع فى المنطقتين هم سودانيون يلتزمون بالقوانين السائدة فى جمهورية السودان ، ولا يمثلون سوى (مصالح المواطنين السودانين).
وديباجة الحكومة التفاوضية تتسق مع ما حمله خطاب الرئيس والذي ايده البرلمان السوداني امس، موصدا الباب أمام أي تفاوض مع الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، وتمسك بالحوار مع أبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان (فقط) ،وطالب البرلمان فى ذات الوقت دولة جنوب السودان وقف كافة أشكال الدعم والايواء التي ظلت تقدمها للجبهة الثورية والا فإن السودان سيوقف تنفيذ كافة الاتفاقيات الموقعة مع الجنوب حسب البرلمان.
وفي السياق ذاته اعرب حزب المؤتمر الشعبي عن ارتياحه باستعادة القوات المسلحة لمدينة ابو كرشولا وعودتها تحت سيطرة الدولة وسريان القانون عليها. ودعا الشعبي، الرئيس عمر البشير باتخاذ قرار تاريخي باعتباره يمتلك زمام المبادرة في الساحة السياسية حاليا ودعوة المتمردين إلى الحوار.
ورأى نائب الأمين العام للحزب ابراهيم السنوسي في منبر أعلامي امس أن قرار حل مشاكل السودان بيد الرئيس عمر البشير ودعاه إلى دعوة المتمردين إلى كلمة سواء والتنازل والجلوس مع حاملي السلاح باعتبار ان البشير يمتلك قرار قوي في هذه اللحظات التاريخية الحرجة واعتبره أقوى رجل في الساحة السياسية حاليا.
ووجه السنوسي انتقادات حادة للمتمردين قائلا أن العمل المسلح قاد لكوارث ومآسي لأهلهم وجلب نتائج سالبة ، مشددا على ضرورة إيجاد أسلوب آخر غير السلاح وأبدى امتعاضهم الشديد جراء سياسة الحكومة والمتمردين وقال « لا ندري ماذا نفعل بين حاملي السلاح والحكومة سعينا للحديث معهم ولكن لم يسمعونا واصبحنا متفرجين فقط « وأضاف « نود أن نكون جسرا لوقف النزيف».
ونصح السنوسي بحل مشكلة دارفور و جنوب كردفان والنيل الأزرق في مائدة مستديرة يتداعى لها الجميع حلقات عديدة بمعزل عن الحلول المتجزئة ورأى أن الحكومة ستتفاوض لأنها مجبرة بقرار دولي من مجلس الأمن الدولي ومن المرجح أن يخسر مليارات الدولارات من عائدات رسوم نفط جنوب السودان أذا أغلقت الأنبوب وقال أن مثل هذه التهديدات تؤجج أسعار الدولار في السوق الموازي.
بينما دعا رئيس كتلة المؤتمر الشعبي بالبرلمان إسماعيل حسين ,الحكومة إلى تغيير السياسات والمناهج التي تدير بها الشأن العام والتي قال أنها لم تكسب البلاد غير الدمار وحذر من أن يقود ما أسماه بالنهج الإقصائي إلى دفع الحركات المسلحة إلى الارتماء في أحضان الأعداء والقيام بأعمال عدائية لانتزاع اعتراف الحكومة بها وقال انه لا خيار غير التفاوض لحل قضايا السودان .
من جهته قال الدكتور غازي صلاح الدين أن الاتفاقيات مع الجنوب حسب الرئيس البشير ما زالت قائمة، وأضاف صحيح أنها عرضة للخرق والتغيير والتعديل اذا لم يوف جانب بالتزاماته لكن على الدولتين أن تفي كل منهما بالتزاماتها حسب الاتفاقية لافتا إلى أن هناك التزام من الجنوب بقضية الأمن مقابل البترول وزاد العتباني في حال أخل طرف بأي التزام يحق أن يقوم الطرف الآخر بنفس الشئ.
فيما يشدد النائب عبد المنعم امبدي علي عدم التفاوض مجددا مع قطاع الشمال واصفا إياهم بـ(مصاصي الدماء والقتلة) ،مطالبا فى ذات الوقت القوات المسلحة بوضع استراتيجية لاستئصال التمرد .
نائب رئيس وفد التفاوض اللواء محمد مركزو كوكو دافع بشدة عن قرار الرئيس (وقف التفاوض) ويقول فى حديثه لـ(الصحافة) إن قرار الرئيس فى محله الصحيح لانتهاج قطاع الشمال التصعيد العسكري ، لأنه ليس من المنطق أن يكون هنالك تفاوض فى ظل التصعيد العسكري ،الذي تورط فيه قطاع الشمال بالاعتداء على أم روابة واحتلال أبكرشولا ،ويؤكد بأن قطاع الشمال غير جاد فى التفاوض ،لأن وفده المفاوض ضم (عرمان ،وليد حامد ،ازدهار جمعة ،عثمان أدروب وآخرين ليسوا من أبناء المنطقتين، بل يمثلون الجبهة الثورية التي لا يشملها منبر أديس أبابا التفاوضي ، إلا أن مركزو يرى وحسب رأيه الشخصي «أن كان» هنالك تفاوض فيجب أن يتم مع حاملي السلاح من أبناء المنطقتين، وليس آخرين بالوكالة بشرط ان يجنحوا للسلام .
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية المحلل السياسي الدكتور صلاح الدومة يرى انه رغم ذلك فإن الفرصة لا تزال أمام الحكومة لقفل الطريق أمام الأجندة الخارجية التي تنفذها اياد سودانية ،وذلك عبر تقديم مزيد من التنازلات وإشاعة الحريات والديمقراطية وإحترام الثقافات والحقوق، ويقول الدومه فى حديثه لـ(الصحافة) أن الحل للراهن السياسي وخاصة فيما يتعلق بقضية المنطقتين يكمن في (التفاوض ،ثم التفاوض ثم التفاوض)
إلا أن الدومه يرى أن ما حدث من اعتداء على أبكرشولا وقصة البترول والعلاقة بين الدولتين جميعها (خطة قديمة) متجددة تستهدف السودان، وقال إن دولة الجنوب وآخرين ظلوا من خلالها يقدمون الدعم والتعاون مع قطاع الشمال ، وأكد أن ذلك بمثابة سيناريو ظلت تمارسه قوى دولية على رأسها أمريكا وإقليمية تلعب دورها دولة جنوب السودان ويوغندا ومحلية تمثلها الجبهة الثورية يتمثل في انتهاجها أسلوب حرب الغوريلا عسكريا لتشتيت جهود الحكومة العسكرية ،ويري الدومة أن الهدف من ذلك الضغط على حكومة الخرطوم لتقديم تنازلات تحت مسمى (حقوق الهامش) لخلق ثورات (تحررية) تقودها الأقاليم ،تهدف فى مجملها لإضعاف حكومة الخرطوم ولتفكيك الهيمنة والقبضة الإنقاذية المركزية ومن ثم إسقاطها وتقسيم السودان لثماني دويلات حتى تسهل السيطرة عليه دوليا حسبما ذهب إليه الدومة . [/JUSTIFY]
تقرير:ابراهيم عربي
صحيفة الصحافة