حلايب «التوقيت» .. قبل أن تكون إحدى الفرص الضائعة أو أحد الجراح القاتلة

أهل شرق السودان ــ وأهل حلايب ــ لم يقبلوا بالطبع «حكمة» حكومة الخرطوم، وظلوا في حالة غضب يعلو لدرجة اتهام حكومتهم بأنها لم تدافع عنهم وفرطت ليس في «شبر» بل في «اميال» هي كل ارضهم وارض الوطن.
هل من حلول
إذا كانت «مصر حسني مبارك» رفضت «التفاوض» على جزء من ارض مصر فلن تجرؤ حكومة مصرية على أن تكون أقل وطنية» من حكومة «الفلول» فتفاوض السودان، فهذا الحل طريقه مسدود.
ورفضت حكومة «الفلول» قبول التحكيم على ارض مصرية. وبما أن «التحكيم» لا يتم الا بقبول «الطرفين» فإنه ليس من المتوقع ان تقبله حكومة «الثورة» او اية حكومة بعدها. اذن هذا الحل أيضاً طريقه مسدود.
وبدأت المقترحات التي لا تؤدي إلى حلول، وسوف يثير تطبيقها على الواقع مشكلات جديدة: حلايب منطقة تكامل.. حسناً ما هي حلايب، المصرية ام السودانية، وما هي حدودها.. ومن يديرها وما هي جنسية سكانها ولمن السيادة عليها.. قضاء وحكماً.. وأمناً اقتراح يؤجل المشكلة ويثير بدل المشكلة مشكلات.. إن هاجس الأمن في مصر لن يسمح بالتكامل الذي يتحدث عنه البعض، اذ ان مصر تعيش دوماً مهما كان نوع الحكومة فيها على أن حدودها يحرسها «الأمن» قبل الجيش: خاصة أنها لا تثق في كفاءة أجهزة أمن اية دولة على حدودها.. ترى ما الذي ظل يؤجل اتفاق الحريات الاربع سوى هاجس الأمن.
لقد ظلت تعبئة الشعب السوداني منذ أن ظهرت مشكلة حلايب وعلى مدى عشرات السنين بأنها «أرض سودانية»، وظل موقف مصر الرافض للتفاوض والتحكيم بشأنها باعتبارها ارض مصرية داعماً قوياً لهذه التعبئة، وزاد من ذلك ضم المنطقة إلى مصر بقانون لا يلغيه او يعدل فيه الا قانون: وهو امر شبه مستحيل.. وقد تجاوزت هذه التعبئة الشعب ووصلت الى الجيش، ولم تكن هناك تعبئة شعبية تقارب تلك التي في السودان الا بعد الاتهام باغتيال رأس الدولة في مصر، ثم دعم القانون تدخل عسكري هو حرب طالت الحدود والوجود السوداني. وإذا لم يشعر المواطن العادي في الخرطوم وبالتالي في الاطراف بما يغلي في صدور أهل الشرق ــ تماماً كما لم يشعر اهل الخرطوم بمعاناة اهل دارفور وجبال النوبة وبقية الهوامش بما فيها الشرق نفسه، فإن «انفجار» الشرق قد ــ لا قدر الله ــ يفتح جبهة عسكرية رابعة كما يتوقع محللون وخبراء سودانيون وأجانب. وهذه المرة جبهة ذات اتجاهين: جنوبي نحو الدولة السودانية وشمالي نحو الدولة المصرية. وهو ما ظلت تتحاشاه الدولتان منذ 8591م.
– 01-
ما العمل.. لا فائدة من «تغطية النار بالشوك» فإنك قد تتخلص من وخز الشوك لحظة غير أن الدخان الذي يأتي من احتراقه قد يؤدي الى «الاختناق»، كما انه في النهاية لا بد أن يلتهب ولا يقف لهيب الشوك عند حدود الشوك.
والقول بأن لدى مصر الآن «مشكلات» وعلينا ألا نضيف اليها مشكلة حلايب كمال قال د. نافع علي نافع، لا ينسينا أن لدى اهل الشرق الآن ايضا مشكلات وحلايب على رأسها، فهي البلد والاهل والارض، ثم ذكرت وسائل الاعلام المصرية في ابريل 3102م ان وزير البيئة السوداني «وأرجو الا يكون حسن هلال» قال في مصر «يا أخوانا سيبونا نديرها لكم ادارياً زي زمان» وهو حديث يوحي بأن السيادة السياسية على حلايب مصرية، ولم تعلق عليه الصحيفة المصرية بل وضعت فقط علامات تعجب اربع هكذا «!!!!» وكلا الحديثين «مجاملة في غير موضعها». وازاء هذا الموقف فإن المواطن في السودان وبالاخص في الشرق ــ والمواطن في مصر وبالاخص في الشارع، سيظل في حالة استنفار دائم، وقد تشعل «طلقة» عشوائية او مقصودة من هنا او هناك حرباً مهما كانت محدودة الموقع او الاثر فإنها سوف تترك جرحاً لن يندمل في جسد الدولتين مهما حاولت السياسة أن تداويه.
إذا كانت الدولتان تتحدثان «مايو 3102م» بأن كلاهما دولة الإسلام، فإن قتال مواطني وجيش كل منهما للآخر دمار في الدنيا ونار في الآخرة. وهكذا مصير المسلم اذا استل سيفه لقتال اخيه المسلم كما جاء في الأثر. ولا ندري عندئذٍ في صف اي منهما سوف تحارب الملائكة كما ذكر د. نافع علي نافع «الصحافة 22 مايو 3102م، محذرا الجبهة الثورية، اللهم الا اذا تغير النظام في مصر الى دولة مدنية.
الحل: أرى بكل تواضع ــ انه في ظروف وجود دولتين متوافقتين في المنظور الديني السياسي أن تتفقا بإحالة الأمر الى محكمة العدل الدولية. وإذا رفضت مصر فالرأي هو ان يتجه السودان الى محكمة العدل الدولية، وليس في اللجوء الى المحكمة ما يسبب عداءً وخصومة او حتى عتاباً، لأن الطرفين أعضاء في تلك المحكمة، وقبول عضويتها يحمل الرضاء التام بأن العضو يقف امامها «مدعياً او مدعى عليه».
وبدون قرار من محكمة دولية ستظل المشكلة عالقة شوكة في حلق كل من مصر والسودان، وعلى كل طرف ان يقنع شعبه بأن يقبل الذهاب للمحكمة وأن يقبل الحكم. وهنا لا مجال لاتهام أية حكومة بأنها فرطت في حق شعبها.
وحتى إذا عادت مصر وقبلت «التحكيم» فإن نهايته هو أن تقره محكمة العدل الدولية ليكون ملزماً.
رجاء ثم رجاءً لا تتركوا المشكلات تنمو.. وتنمو.. حتى يستحيل حلها الا بالحرب والسلاح والقطيعة.. ثم الاتهام بأننا مستهدفون في الهوية وفي المشروع الحضاري. إن «التصعيد» الذي حدث في الدولتين لن يقنع اية جهة في البلدين بأن الحل سيكون «اتفاقاً» بالمفاوضات التي تعني «التنازل» من طرف للآخر.
وخير للدولتين في حالة الصفاء الذي يسود العلاقات بينهما الآن وقبل أن «يتعكر» كما هو حال السياسة بين مصر والسودان، خير لهما أن تحمل وسائل الاعلام في صدرها:
السودان ومصر يتفقان على رفع مشكلة حلايب والحدود الشمالية الى محكمة العدل الدولية.
هذا خير من أن يكون الخبر في صدر وسائل الاعلام:
السودان يشكو مصر إلى محكمة العدل الدولية بشأن حلايب والحدود الشمالية.
إن محكمة العدل الدولية هي البديل السلمي الأوحد ــ في نظري ــ لحل المشكلة، وأرجو ونحن نتقدم بالشكوى ألا ننسى جيب الحدود الشمالية. وبعد أن يصدر الحكم وتعرف كل دولة حدودها ويعرف كل مواطن من الطرفين ارضه وبلده ــ وبعد أن يحمل كل شخص جنسيته.. بعدها يمكن أن نتحدث عن التكامل والتعاون والجوار وتجارة الحدود.. وهلمجرا.
وهناك موضوع آخر وفي سياق متسق ــ كما يقول الإعلاميون ــ وهو «مثلث اليمي»، وهو ارض سودانية ويقع على الحدود السودانية الإثيوبية الكينية، ويعتبر منطقة مقدسة تتعبد فيها قبائل من الدول الثلاث، وقد عهدت الحكومة السودانية منذ عهد الحكم الثنائي قبل الاستقلال بإدارتها الى «كينيا ــ وهي مستعمرة بريطانية ثم وهي دولة مستقلة»، وذلك تسهيلاً لقبائل الدولة الثلاث.. وكان أول مدير للمديرية الإستوائية بعد الاستقلال علي بلدو ومن جاء بعده يبحثون باتفاق مع وزارة الخارجية السودانية رسائل سنوية إلى حكومة كينيا يذكرونها بأنهم يسمحون لها بالاستمرار في ادارة المنطقة «السودانية».. ترى هل تتذكرها الآن حكومة جنوب السودان: أرجو ذلك، فالعشم مازل في ان يعود «السودان «السودان» مرة اخرى، ويظل المثلث أرضاً سودانية إن لم تكن للسودان فلجنوب السودان.
ونسأل الله التوفيق.

إبراهيم منعم منصور
صحيفة الصحافة

Exit mobile version