دمعي الغلب اللقاط

دمعي الغلب اللقاط
ثقافة التعبير عن العواطف في موروثاتنا الاجتماعية، أورثتنا مفهوما قديما بأن دمعة الرجال عزيزة وصعبة النزول، بينما تنبهل عيون المرأة كسحابة بطانة سخية حبلى بالمطر .. كذا الإرث الجائر الذي يربط بين دموع المرأة ودموع التماسيح، وذلك بفهم ان دموع المرأة أداة طيعة وسلاح مناورة وليس وسيلة تعبير عن المشاعر .. في المقابل فإن دموع الرجال صادقة ودمعة الرجل غالبا ما تكون أصدق من دمعة المرأة، وهذا الفهم جاء من أننا تربينا على أن بكاء الرجل عيب ولا يجوز في حقه الانبهال في البكاء، فإن فعل ذلك فعله بصدق ولشديد قوي .. ربما كان ذلك الاعتقاد لمكانتهم الاجتماعية كقدوة وأداة الضبط والانضباط في الاسرة، فلو إنهار الرجل باكيا أمام أهل بيته عند كل تحدي صبر أو نزول ابتلاء، لتسبب انهياره في فقد السيطرة على العواطف والتفكير السليم لكل افراد الأسرة، لذا يتعلم الرجل منذ نعومة أظافره بأن البكاء للنساء والرجال لا يبكون، فلابد أن يتحامل الرجل على نفسه ويتجمل بالقوة ورباطة الجأش لكي يقارع الصعاب، فيتعلم مع الزمن كبت مشاعره في الدواخل مما يتسبب في كثرة الأمراض المرتبطة بالضغوط النفسية عند الرجال لعدم تنفيسهم عن مشاعرهم وكبتها لتنعكس أمراضاً .. ضغط وسكري .. يا حليلهم
والدموع رجالية كانت او نسائية انواع .. دموع الحزن والفجيعة .. دموع فرح .. دموع محنة .. ودموع عشق واشتياق .. والاخيرة تسمى بـ (دمعة البكايين والبكايات) وهي مقصدنا اليوم من فتح باب الجعير
من زمان جدودنا وحبوباتنا الأولانيات، كان المجال الوحيد الذي لا يجد الرجال فيه مندوحة من ارتكاب جريرة البكاء باهمال هو مجال العشق، ولكن كان القاسم المشترك بين من يمارسون هذا الضرب من البكاء انهم يتعاطونه سرا، كحال الفارس أبو فراس الحمداني الذي كان يدعي نهارا انه عصي الدمع شيمته الصبر، أما اذا أضواه الليل بسط يد الهوى وهاك يا جعير كقوله مخاطبا نفسه:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهيُ عليك ولا أمر
نعم انا مشتاق وعندي لوعـــــــــةُ ولكن .. مثلي لا يذاع له سـُّر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر
فلا يجوز ان يجاهر العاشق بـ (كبكابته) أو بكائياته الا في محراب المحبوبة، ولا يجهر بها الا شعرا كحال العبادي عندما لم يجد بأسا من أن ينوح ويصيح من فتنة جمال المحبوبة فقال:
ببكى وبنوح وبصيّح .. للشوفتن بتريّح
فرع النقا المتميّح .. منه المسك يفيّح
وكتين صباحه يبيّح .. بلبل قلوبنا يصيّح
أو عندما بكى فراق عازة بالدمع الوشال:
يا عازة الفراق بى طال .. وسال سيل الدمع هطّال
ارض آمالي في امحال ..من الهم بقيت في وحال
بعدك عازة ساء الحال .. نومي وصبري أضحى محال
طريت برق الفويطر الشال .. وسال دمعي البكب وشال
فقد صبري ومنامي انشال .. لبس من ناري عمه وشال
أنا والهم دوام في نزال.. نحل جسمي وصبح في هزال
يا شماتى والعزّال .. افرحوا بالعلى ما زال
ويظهر نبل الشاعر محمد علي عثمان عندما وقف يبكي ويسأل اطلال الديار عن مكان (رحول) المحبوبة .. الجماعة رحلوا وما كتبوا عنوانهم الجديد في الباب القديم بـ فحمة:
مرضان باكي فاقد .. فيكى علاج طبيبي
قالوا ترك سكونك .. يا دار وين حبيبك
وقبل ان نختم نمر على (فراش) عتيق في بكائيته (يا ناعس الأجفان) لنرفع الفاتحة:
تذرف عيوني بحور .. أقضى الليالي قيام .. ما بين شوق وهيام أرعى النجوم في سحور وفؤادى آه منحور ومقتول بغير سلاح .. وأقول بكل صراح .. سببي العيون الحور
ثم نختم بـ البطران (يا دمعة الشوق كبي) دون ان نقطع ولو نصف المشوار في بحر الدموع
انشغال فكرى…. وانفقاد لبى
وشحوب لونى.. كل من حبي
صدري مزماري والدموع شربي
انطرب كل ما ذكره يخطر بى
ولنا عودة باذن الله.

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

Exit mobile version