محمد قسم الله : وَهْمُ الأنتلجنسيا

ليس تماماً علي نسق الدكتور الوليد مادبو في فرضياته المطولة تحت عنوان وهم الخلافة، ولكن محاولة لإستقصاء أوهام الأنتلجنسيا (الصفوة) التي تنتصب شاهدة عليهم حين ينتصبون في وجوهنا رغم أنوفنا مثل رجسٍ من عمل الشيطان. يحملون بذور الفشل المزمن التي شرّحها الدكتور منصور خالد في كتابه القيِّم الصفوة وإدمان الفشل رغم أنّ منصور خالد من هذه الصفوة التي أعيتْ من يداويها.
وربما هذا المقال علي تواضعه معني إلي جانب أوهام الأنتلجنسيا هو معني كذلك بنوستالجيا الانتلجنسيا تلك التي تجعلهم يتقوقعون في شرنقة معزولة يحلمون بالعودة في كل مرة بوهم أنهم الصفوة تحملهم ذكريات الماضي البعيد وما دروا أنّ المعطيات لم تعد كما كانت لا في الزمان ولا المكان.
هذه النوستالجيا التي تدفع الصادق المهدي للهاث خلف كراسي الحكم وهو لا يزال يستمرئ إجترار نظريات لا تسمن ولا تغني من جوع وقد صعد علي أكتاف إرث أسرته حين جاء رئيساً للوزراء وهو لم يزل بعد فتيً غريراً بلا تجربة بعد أن أزاحت له موازنات السياسة السيد محمد احمد المحجوب عن رئاسة الوزارة. أكثر من تجربة في حكم السودان ولا يزال الصادق المهدي يتطلع للحكم من جديد تقوده هذه النوستالجيا ولنسأل رئيس الوزراء السابق الذي يعتبر نفسه في إجازة مفتوحة بانتظار مزاولة العمل من القصر الجمهوري تُري كم رئيس أمريكي عاصرهم الصادق المهدي منذ منتصف الستينات في وزارته الاولي إلي لحظة كتابة هذه السطور التي يحلم فيها الصادق المهدي بالحكم؟ نعم عاصر الصادق المهدي وهو رئيس وزراء منتصف الستينات الرئيس السادس والثلاثين للولايات المتحدة الامريكية ليندون جونسون وهاهو الصادق لا يمل كراسي الحكم كفاحاً إبان حكم الرئيس الرابع والأربعين أوباما وهو في عمر أبنائه.
أما النوستالجيا عند سليل الدوحة النبوية حفيد المراغنة فتلك من نافلة القول وينسحب عليه ما علي الصادق المهدي من التوريث والتقديس والوصاية.وهي ذاتها عند الترابي وعند نقد وغيرهم من جيل السفسطة السياسية.
الحنين إلي الماضي بكل ألقه وزخمه السياسي هو المحرك الأساسي للكثيرين من القادة السياسيين في لعبة السياسة اليوم برغم المتغيرات والمعطيات المختلفة وبرغم تقدم العمر ولذلك لا يزال أبوعيسي يحلم مع الجبهة الثورية في تكرار أحداث 1976 ولا يزال الترابي يحلم بأكتوبر أخري يقودها ببدلته الكاملة وربطة عنقه المستوردة وهو ذلك الشاب الأنيق القادم من السوربون.
نعم .. من حقنا كسودانيين أن نحلم بأكتوبر أخري ولكن ليس للترابي ولا جيل الترابي من الحاكمين بصكوك الغفران أن يحلم معنا فلا العمر يسمح ولا الفشل القديم يسمح ولسنا فئران تجارب.
تكاد تأخذنا نوستالجيا الأنتلجنسيا بعيداً إلي دائرة مغلقة رسمتها هذه الصفوة المزعومة ثم عاشوا علي اجترار مكوناتها تحت سطوة الحنين للماضي .. ماضي الصولة والصولجان والسلطة والسلطان منذ بواكير العهد الوطني وحتي اليوم. والنتيجة هذا الواقع الأليم الذي تشاركته بجدارة كل الصفوة التي حكمت هذا السودان المكلوم علي مر السنوات.
وربما نحن بحاجة ملحاحة الآن لإستفاقة النخبة من أوهامها .. فقد تبعناهم كالقطيع تارة يميناً وتارة يساراً وتارة عسكرتاريا وتارة ديمقراطية عرجاء يبحث سدنتها عن مكاسبهم الذاتية ويتوارثون المناصب والأحزاب كما يتوارثون الأراضي وفدادين الزراعة المطرية والمروية.
من يوقظ الصفوة من وهمها الكبير أن هذا الوطن لن يكون إلا بهم؟ من قال لهؤلاء أنهم سدنة هذا السودان؟ لدي الصفوة المزعومة إعتقاد وزعم أنهم صمام أمان هذا السودان وبدونهم لن يكون ولذلك تجدهم في حكمه ومعارضته عشرات السنين، بئس ما يزعمون.
لقد سئمنا هذه الوجوة الدائرية المتكررة لأكثر من نصف قرن.. لقد سئمنا الحكومات الديمقراطية والعسكرية المدعومة بأحزاب اليمين وأحزاب اليسار ونحن خلفها كالقطيع بينما الأنتلجنسيا أو الصفوة المزعومة تفعل بنا الأفاعيل.
وَهْم الأنتلجنسيا الكبير أنهم نفخوا في أنفسهم وبأنفسهم روح الزعامة إلي درجة القداسة وصدقناهم نحن كالقطيع حتي أوصلتنا هذه الصفوة المزعومة طوال سنوات العهد الوطني إلي وطن لا تجد فيه موضعاً إلا وفيه طعنة رمح وضربة سيف وغبنٌ مكبوت.

وَهْم الأنتلجنسيا
بقلم/محمد قسم الله محمد إبراهيم
[email]khaldania@yahoo.com[/email]

Exit mobile version