العين والحسد باب واسع تصعب الاحاطة به في مثل هذه الكلمة العابرة، غير أن أغرب ما استوقفني وحيرّني فيه أن بعض أهل البوادي في السودان يقولون بعفوية عند التهنئة بمولود جديد «إن شاء الله محسود»، وهم بهذه التهنئة العجيبة إنما يتمنون نجاحه في المستقبل وأن يؤته الله الفلاح والسداد والنجاح الذي سيحسده عليه الناس، ومما يستوقف أيضاً في سيرة الحسد، تلك المقولة المنسوبة للعلامة الراحل البروف عبد الله الطيب طيب الله ثراه والتي تقول إنه قال إن كل القبائل المشهورة بالحسد لدى العرب استقرت في السودان إبان هجرتهم إليه، وهي مقولة في غاية الحساسية تحتاج إلى فحص إما لتأكيد نسبتها للبروف أو نفيها عنه، ومن الطرائف التي تروى كذلك أنه عندما منحت ملكة بريطانيا السيد الامام عبد الرحمن المهدي لقب سير sir، أغاظ ذلك أحد أتباع الجناح الآخر فقال مبخساً اللقب لمن تباهى به عليه من جماعة جناح أم جكو «والله إذا كان سيدك فلان أدوهو سير يكون سيدي علان أدوهو الجلد كلو»، ومن أشهر مقولات الحسد الحديثة تلك التي جرت على لسان الدكتور عوض الجاز وزير الطاقة الأسبق والحالي حين كثر الحديث حول البترول وأنه لم يترك أثراً على حياة الناس فأغاظه ذلك فقال بغضب «أتركوا النقة، النقة تبطل النعمة»… عموماً ليست «هرشك تاكل لحم كرشك» هي وحدها ما أنتجه العقل الجمعي السوداني لمجابهة عيون الحاسدين، وإنما حفلت تراثيات الحسد وأدبياته عندهم بكم كبير من التمائم اللفظية والعينية التي لا يخلو منها بيت، وهذا ربما ما يرجح مقولة البروف عبد الله الطيب، والله أعلم…
حيدر المكاشفي
صحيفة الصحافة