الطيب مصطفى : بين حديث علي عثمان ودور علماء الأمة

[JUSTIFY]تطرَّقنا بالأمس لحديث الأستاذ علي عثمان حول مشروع الحركة الشعبيَّة لاستهداف السُّودان المسمَّى بمشروع السُّودان الجديد وقلنا إن حديث الرجل الثاني في الدولة لأول مرة عن المشروع الذي يعلم تمام العلم ما ينطوي عليه يعبِّر عن مرحلة جديدة في تعاطي الرجل مع المشروعات العنصريَّة الاستئصاليَّة التي تسعى لطمْس هُوِيَّة السُّودان وإعادة هيكلته وتمزيقه شرَّ ممزَّق.

قبل أن أمضي في بيان ما عبَّر عنه النائب الأول وكذلك في إبداء رأيي في حديث السيد الرئيس حول الاعتداءات الأخيرة التي تعرَّض لها السُّودان ألحَّ عليَّ أمرٌ آخر جلل كان ينبغي أن يكون مثار تعليق الإعلام السُّوداني مقروءاً ومرئيَّاً ومسموعاً ألا وهو التحاق المجاهد ود إبراهيم بكتائب الدبَّابين في أب كرشولا وغيرها من المناطق المحتلة من الأوباش والعملاء.
إنها العظمة تمشي على ساقَين، إنه التسامي على الجراح والمرارات بل إنه استعلاء الإيمان والترفُّع عن صغائر الأمور ومحقراتها إلى معالي الأمور ومعظماتها، إنها العودة إلى تلك القصص النابضة بالمعاني الكبيرة تُعيد إلينا سيرة الأطهار من أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ممَّن كانوا يقدِّمون الله ورسوله على لعاعة الدنيا وحظوظ النفس الأمَّارة بالسوء.
الشاب ود إبراهيم تمكَّن بصنيعه هذا العظيم من تقديم درس بليغ لفقهاء مدرسة الفضيل بن عياض ذلك الرجل الورع الذي لُقِّب بعابد الحرمَيْن.. الفضيل كان معتكفاً بالمسجد الحرام حيث الصلاة بخمسين ألف صلاة فيما سواه بينما كانت جيوش المغول تدكُّ حصون بغداد فما كان من الفقيه المجدِّد العالم عبد الله بن المبارك إلا أن خاطب صديقه الفضيل بقصيدة تنضح بالحكمة والفقه العميق يقول في مطلعها:

يا عابد الحرمَيْن لو أبصرتَنا لوجدتَ أنَّك بالعبادة تلعبُ
يا سبحان الله!! الفضيل كان في نظر ابن المبارك وهو يعتكف في أطهر بقعة في الأرض تمنح صاحبَها ثواباً جزيلاً كان في نظره مجرَّد لاعب عابث يخلط بين الأولويَّات ويقدِّم النافلة على الفريضة!!
لم يسأل ابن المبارك عن الحكومة العباسيَّة التي كانت تعبث وتفسق وتبتعد عن الإسلام وشريعته وتبيح كل المحرَّمات إلى أن استُبدلت بغزو مغولي حطَّمها تحطيماً وأضاع أكبر ثروة علميَّة وفقهيَّة من بين أيدينا فقد كان ابن المبارك يفكر إستراتيجيَّاً وليس تكتيكيَّاً وكان يتوقَّع من الفضيل أن يفهم أن واجبَه في تلك اللحظات أن ينفر ويجاهد بدلاً من استنشاق عبير المسجد الحرام وأن يصطلي برهج السنابك والغبار الأطيب فشتان شتان بين الجهاد والقتال في سبيل الله والقعود حتى ولو في المساجد بينما أرض الإسلام تُنتقص وأعراض نسائها تُنتهك وأبناؤها يُقتلون وعلماؤها يُذبحون من الوريد إلى الوريد من قِبل أنجاس الجبهة الثوريَّة الحلو وعرمان وعقار وعبد الواحد ومناوي وعصاباتهم العميلة والمرتزقة.

خاطبت فقهاءنا بهذه المعاني قبل غزو أب كرشولا بشهرَين فقلتُ لهم وهم والله أفضل مني وأعلم: بالله عليكم أيُّهما أولى أن يُغادر شبابُنا إلى الصومال ومالي طلباً للجهاد ويتجمَّعوا في حديقة الدندر استعداداً لمعارك يخوضونها ضد عدو مسلم أم أن يجاهدوا دفاعاً عن دار الإسلام في مملكة تقلي الإسلامية (جنوب كردفان) ومملكة الفونج الإسلامية (النيل الأزرق) والسُّودان الذي يتعرَّض لأخطر مؤامرة في تاريخه الطويل؟!
قرأتُ لهم (وثيقة إعادة هيكلة الدولة السُّودانية) التي أصدرتها الجبهة الثوريَّة السُّودانيَّة في أكتوبر الماضي كما قرأتُ لهم (ميثاق الفجر الجديد) الذي أصدرته الجبهة الثوريَّة السُّودانية بمساندة بعض الاحزاب العلمانيَّة ناقصة العقل والدين المقيمة في الخرطوم.. بيَّنتُ لهم وأبيِّنُ لقرائي الكرام مجدداً أن كل هذه الوثائق لم تتحدَّث عن إسقاط الحكومة كهدف إنما كانت تتحدَّث عن إسقاطها كوسيلة وتكتيك من أجل الهدف الإستراتيجي المتمثل في طمْس هُويَّة السُّودان وإعادة هيكلته حتى يكون دولة علمانيَّة وعنصريَّة تحارب الإسلام وتسعى لاستئصاله واللغة والثقافة العربيَّة بل والوجود العربي.

ألم يقل قرنق في فرجينيا في محاضرة ظللنا نلوكها منذ سنين، باللفظ: (إن الهدف الرئيسي للحركة الشعبيَّة هو إنشاء السُّودان الجديد وهو يعني انتهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكِّم الآن وإعادة بناء السُّودان (Re- Structuring) وفق رؤية الحركة للسُّودان الجديد عن طريق الإحلال والإبدال بين النموذجَيْن)!!
وثيقة الجبهة الثوريَّة السُّودانية ووثيقة الفجر الجديد كلتاهما عبارة عن استنساخ لمشروع السُّودان الجديد وهذه رسالة للإخوة العلماء أن على من لهم رأي في الحكومة أن يعلموا أنهم عندما يحرِّضون الشباب على الجهاد لا يفعلون ذلك دفاعاً عنها إنما عن هذه الأرض المسلمة وهذا الشعب المسلم فالحكومة زائلة مهما طال عمرُها أمَّا الأوطان فتبقى فهل يسمحون بالاستبدال الذي ضرب قوم موسى في تيه سيناء حتى قضى الجيل الخانع المستسلم المنبطح المتثاقل إلى الأرض القاعد الرافض للجهاد والذي ضرب كذلك الأندلس وفلسطين التي تنتظر يوشع بن نون ليحرِّرها من جديد؟! وهل استمعوا إلى نداء ربهم «الا تنفروا يعذبكم عذاباً اليماً …»

أيها العلماء قوموا بدوركم فالخطة أكبر مما تتصورون، أيها العلماء وأيها الشباب تأسوا بود ابراهيم واستمعوا الى قصة عبد الله بن المبارك رحمه الله.

الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة[/JUSTIFY]

Exit mobile version