كما كشفت تلك المصادر أن الرئيس البشير ما يزال على موقفه الرافض للترشح لولاية رئاسية أخرى ، رغم الضغوط الكبيرة التي تمارس عليه بضرورة العدول عن قرار عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة نسبة للتحديات الجسام التي يمر بها الوطن .
ما سبق يعد تأكيدا لما نشرته (السوداني) من قبل عن تغيير وزاري مرتقب، وهو ما أكدته أمس مصادر (عليمة)، حين قالت إن التغيير الوزاري الكبير كان يفترض أن يتم في شهر مارس الماضي لكنه تأجل منذ ذلك الوقت لظروف موضوعية سيطرت على الأجواء السياسية والأمنية بالبلاد.
حديث النائبين
بجانب ذلك فإن ما ألمح به النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه في اجتماع مهم مع قادة الأجهزة الإعلامية بالقصر الجمهوري ظهر أواخر الأسبوع الماضي في تعليقه على الأصوات المطالبة بإقالة ومحاسبة بعض الوزراء حيث قال بالحرف الواحد” نعم للمحاسبة ونعم لتغيير المواقع” لكنه قال أيضاً إن ذلك يجب أن يحدث عقب تجاوز الظروف الحالية وأردف: “حتى لا ننصرف عن المعارك الأساسية لمعارك جانبية”.
في ذات الوقت فإن مصادر (موثوقة) نقلت لـ(السوداني) ما ذكره نائب رئيس الجمهورية ورئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني الحاج آدم يوسف خلال مخاطبته لقيادات أمانة الشباب الاتحادية الأسبوع الماضي رغبة رئيس الجمهورية المشير البشير القوية في إحداث إصلاحات عاجلة وتغيير، بما ذلك تعديلات تطال عدداً من الموجودين حالياً بمؤسسة الرئاسة، وتوقعات بتصعيد وجوه جديدة عسكرية ومدنية داخل مؤسسة الرئاسة.
المشاورات السرية
خيوط أخرى بدأت تتكشف عن مشاورات تجري بشكل سري بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة القومي حول المشاركة في التشكيلة الحكومية القادمة وأنها قد وصلت لمراحل متقدمة وأن اجتماعات للمكتب السياسي لحزب الأمة سينظر للبت في هذا الأمر، وهذا الأمر أقلق الشريك الآخر للحكومة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي طالب بإضافة وزارات سيادية في حصته لتزيد من نفوذه حال شارك الأمة في المرحلة القادمة .
جدل التغيير
كثيرون رهنوا الإصلاح السياسي بضرورة إجراء تغييرات في الوجوه والشخوص داخل أروقة المؤتمر الوطني والحكومة ، غير أن مناهضين لهذا التوجه داخل الوطني عبروا عن استحالة تغيير الصف القيادي الأول بضربة لازب، واستدلوا بأن ذلك سيحدث فراغاً قيادياً داخل الحزب حال تطبيق لائحة النظام الأساسي التي تتحدث عن بقاء القيادات لدورتين فقط.
وانتهى الجدل إلى انتصار أصحاب هذا التوجه الذين قاموا بإقناع الراغبين في التغيير كامل الطاقم القيادي بوجهة نظرهم تلك. ورغم أن البعض لا يزال يتحفظ على الفكرة إلا أنها عملياً تحولت لتوجه مؤسَّسي، حيث أجاز المكتب القيادي للحزب اللائحة المعدلة للنظام الأساسي بإضافة عام آخر لعمر الدورة، وساق مبررات قال إنها موضوعية لتأجيل المؤتمر العام للحزب والذي كان مقرراً له أن ينعقد في نوفمبر المقبل من العام الجاري ، ودفع بتعديل النظام الأساسي للمجلس القيادي الذي يضم رؤساء المؤتمر الوطني بالولايات ونوابهم تمهيداً لطرحه فى اجتماع مجلس شورى الحزب القومي المقبل .
التجديد والتبديل
والمؤكد أن الحزب الحاكم أصبح يتفهم ضرورة احداث تغييرات علي مستوي الجهاز التنفيذي ولكن مايزال منقسم في كيفية تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع هو ما يربك الأوضاع على الأرض خاصة وأن سقوفات التغيير ترتفع في جانب المعارضة وتنخفض لدى عضوية المؤتمر الوطني خاصة القيادية منها حيث مايزال جزءاً كبيراً منها يدعو لإجراء تعديل وزاري يقوم على عملية إحلال وإبدال في بعض الحقائب الوزارية ولئن ظلت دعاوى الإصلاح تترى من قبل أحزاب المعارضة التي ترى ضرورة قيام حكومة انتقالية ومؤتمر جامع لكافة فرقاء الوطن وهو ما يرفضه المؤتمر الوطني بشدة حيث نقل على لسان القيادي بالحزب إبراهيم غندور قوله خلال احدى الندوات:” حكومة انتقالية مافي، هناك انتخابات في موعدها وعليهم الاستعداد لها”.
بيد أن الأصوات المطالبة بالتغيير إرتفعت بصورة لافتة داخل قيادات وأعضاء حزب المؤتمر الوطني برغم أن أن هذه الأصوات لم تطرح فكرة متكاملة التغيير ولا ولا نوعية الإصلاح إن، تغييرلأشخاص وقيادات والعودة بالحركة الإسلامية إلى ما كانت عليه كما تطالب جماعة السائحون أم أنه تغيير في رؤية وتوجهات الحزب وفق مسؤوليته الحاكمية كما تطالب بذلك قيادات (غاضبة) من الصف الأول في طليعتهم د.غازي صلاح الدين وآخرون، ولم يسلم هذان التياران من انتقادات كثيفة تنظر إلى ما ينشدونه من تغيير لا يتجاوز واقعهم كعناصر منتمية لحزب حاكم تريد تغيير ضيق تتعاقب فيه على القيادة دون النظر إلى حاجة الوطن لإصلاح وتغيير.
ضد التجريب
الحزب الحاكم أكد أن عملية الإحلال والإبدال في السلم القيادي أمر عصي المنال وعبر على لسان مسؤوله السياسي والتنظيمي الأول د.نافع علي نافع بأن أوضاع البلاد لا تسمح بالتجريب، في إشارة لعدم إمكانية الدفع بقيادات شبابية تفتقد للتجربة والتمرس مع واقع سوداني شديد التعقيد ، وهذا ربما يعني أن المؤتمر الوطني يتعاطى مع واحدة من أهم ركائز الإصلاح (تغيير الأشخاص) بمنظور مختلف، منظور ربما يقوم على التدرج والاختبار وبناء قدرات قياداته الشبابية الوسيطة عبر ترقيات نوعية ومحدودة بصورة لا تضعه في موضع المقارنة مع الأحزاب السياسية التي تتمترس خلف أبواب التقليد الحصينة، وهو واقع فيما يبدو أنه مرفوض من قبل شريحة واسعة من شباب المؤتمر الوطني وشباب الأحزاب السياسية الأمر الذي ربما يدفع بالمتطلعين للقيادة والراغبين في التغيير للبحث عن طريق ثالث من شأنه عرقلة أو تأخير عملية التغيير.
شمول الإصلاح
في هذا السياق فإن كثيراً من المراقبين يرون أن عملية الإصلاح والتغيير وإن كانت ما تزال تسير ببطء إلا أنهم منقسمون إزاءها، فهناك من يرى أن الحكومة اتخذت في الآونة الأخيرة جملة من الإجراءات التي توحي باتجاهها نحو إصلاح هيكلي ويستدل أصحاب هذا التوجه بالخطوات العملية التي اتخذتها الحكومة تجاه قضايا الرأي العام حيث عملت على إعادة تشكيل المحكمة الدستورية، ودفعت بملفات مخالفات مالية وإدارية تصل حد الفساد والتصرف في الممتلكات العامة للشعب إلى ساحات النيابات والقضاء. فيما يرى آخرون أن ما أقدمت عليه الحكومة لا يعدو كونه استجابة انفعالية لقضايا أثارت حفيظة الرأي العام وأثرت بشكل واضح على شعبية وصورة الحزب الحاكم وحكومته المؤتلفة، ويتهم البعض الحكومة بالرضوخ للمحاصصات القبلية والمناطقية التي تركز على حملة السلاح واعتبروه واحدة من وسائل تعطيل النمو السياسي.
ويرى المتشائمون أن ما أدلى به نائب الرئيس الجمهورية للشباب أمس الأول ما هو إلا حديث مناسبات ينتهي مفعوله بانتهاء المناسبة. وهنا يرى القيادي الإسلامي البارز والخبير السياسي د. حسن الساعوري أن وعود الإصلاح والتغيير أضحت متكررة، لأن الناس عادة لا ينتبهون إلى الإصلاح إلا عن طريق الأزمات، ولكنهم سرعان ما يتناسون ذلك عقب انتهاء الأزمة. ويرى الساعوري في تعليقه لـ(السوداني) أن هناك ثلاثة مفاهيم ضرورية ينبغي على الدولة إصلاحها وهي: إما أن يكون التغيير هيكلياً في الحكومة والقوانين، أو أن يكون إصلاحاً للسياسات، ويرى ضرورة أن يشمل التغيير إصلاح البناء والسياسات والأشخاص. وقال إن البلاد بحاجة لإصلاح في البناء والهياكل الدستورية وعن الأولويات التي ينبغي للدولة العمل بها يقول الساعوري إن حل الأزمة الماثلة يتمثل في أهمية الحاجة لقوة عسكرية ضاربة تؤمن السودان وتحسم التمرد قوةً لا مساومة قائلاً إن هيبة الدولة في جنوب كردفان ودارفور محل استفهام.
الأضواء الحمراء
فيما يقول المحلل السياسي د.صفوت فانوس لـ(السوداني) إن التغيير الذي ينادي به الإصلاحيون داخل المؤتمر الوطني وخارجه يشير إلى القيادات التي ظلت ممسكة بزمام الأمور داخل الدولة منذ مجئ الإنقاذ ، واعتبره تغييراً لن يُرضي المنادين بالإصلاح داخل الوطني. ويرى فانوس أنه حال صعود شخصية غير مدنية فهذا يعني تمكين للتيارات العسكرية في حين أن من ينادون بالتغيير يتحدثون عن العمل المدني المؤسسي. ويمضي فانوس إلى القول إن كانت هناك رغبة في التغيير بسبب الأزمة الخانقة في البلد يعادلها الخوف من انفلات الأمر.
واستشهد فانوس بتجربة الاتحاد السوفيتي عندما دخل في أزمة اقتصادية وأزمة جيل، وإقدامه لتغيير يكون تحت السيطرة لكنه قال إن الأمر انفلت لأن التغيير كان رأسياً ولم يكن قاعدياً أو جماهيرياً، وعند إسقاط هذه التجربة على الواقع السوداني يشير فانوس إلى أنه حتى مع وجود رغبة لدى القيادة السياسية في الإصلاح والتغيير تعادلها خشية من أن يخرج الإصلاح من مساره ويؤدي إلى تغيير النظام ويدل على أقرب سيناريو يمكن أن يتحقق حال عدم التحسب لذلك حيث يرى أن ذلك من شأنه أن يؤدي لانهيار النظام من داخله دون أن يكون لمعارضيه حاجة لإزاحته لأنه سيفتح الباب للبديل في هذه الحالة .
جبهة الدستور
بالصوت العالي خرجت جبهة الدستور الإسلامي من صمتها وانضمت للتيار الداعي للإصلاح، حيث أشارت في بيان صدر عنها بالأمس أن البلاد تمر بنكبات متواصلة، داعية لرفع رايات الجهاد، وأن يتم رسم طريق للخروج بالبلاد من الطريق “الهاوية” الذي تذهب إليه، والعمل على الإسراع في الإصلاح السريع المبرمج تحت رقابة شعبية من الرئيس، حتى لا تتقسم البلاد إلى دويلات. بالإضافة إلى إعلان الحرب وإيقاف التفاوض، بجانب إجراء إصلاحات في الخدمة المدنية
بجانب إطلاق حرية العمل السياسي و الدعوي و الإعلامي و الاجتماعي. و الناظر إلى بيان جبهة الدستور الإسلامي التي تضمن العديد من الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية التي تعتبر سنداً لأهل الإنقاذ يجد أن تململها ومطالبتها بالإصلاح تزيد من قوة التيار الداعي لهذا الأمر.
تقرير:عبد الباسط إدريس
صحيفة السوداني