ست الدار بت أحمد:
باسم الحاضر والمستقبل
ست الدار بت أحمد قالت..
ما خموها الجونا قبلكن
شن خلولنا بلا حجار
الله يصرف الخواجات
لما قريت علماء آثار علماء
إيه يا بت الناس
سواح إيه .. ما عندك راس ديلا جماعة السي آي إيه تعرفي إيه السي آي إيه؟!
الحضارة السودانية قديمة قدم الإنسان، وتبقى مناطق شمال السودان أحد روافد الإقناع الأساسية التي تبين ذلك، وقد برهن ذلك علماء الآثار ليس السودانيين فحسب، وإنما نظراؤهم من الدول الآسيوية والشرقية من سويسرا وغيرها من الدول التي أكدت اكتشافاتهم في السودان قدم الآثار والحضارة السودانية التي تسبق مثيلاتها في المنطقة كالمصرية التي أرجع متحدثون في منابر عديدة أن السودان سبقها وجوداً على الأرض، وأن الأصل في الحضارة المصرية هو ما جادت به القيادات النوبية الحاكمة إبان في الممالك النوبية السابقة كنبتة ومروي وكوش والممالك الإسلامية الأخرى وغيرها من الممالك التي سبقت الممالك المصرية، بل أن دراسة لمعرفة الزمن الذي بنيت فيه الأهرامات المصرية أكدت إرجاع ذلك للممالك السودانية التي حاول ملوكها توسيعها شمالاً حتى بلغت مصر التي طاب لهم المقام بها ونقلوا لها أملاكهم. وطبقاً لهذه الدراسات فإن الأهرامات المصرية بناها السودانيون مما يؤكد على عمق الآثار السودانية وحضارتها.
ولذلك يرى بعض المحللين السياسيين أن الاستهداف الاستعماري للسودان لم يكن بسبب ما يدخره السودان من المعادن والبترول والموقع الاستراتيجي فحسب، وإنما للآثار التي لم تكتشف حتى الآن نصيب من تلك الكعكة والأسباب، في وقت ضبطت فيه السلطات السودانية مجموعات كبيرة من الآثار المهربة للخارج رغم تهريب الكثير منها، مما دفع الحكومة للمسارعة بلملمة هذه المقدرات لجهة إنعاش الجانب السياحي وحفظ كيان الأمة.
وقد تم أخيراً اكتشاف مدينة أثرية في منطقة كرمة تم تأسيسها قبل «3500» سنة، كما تم اكتشاف آثار مهمة في منطقة الزومة. وتعود تفاصيل اكتشاف هذه المدينة إلى أن بعثة آثار سويسرية قد توصلت إليه، وقد أظهر التنقيب الأولي أن المدينة الأثرية كانت مطمورة تحت الأرض، كما أظهر نقوشاً وكتابات باللغة الهيلوغرفية. وتشير تلك الكشوفات أيضاً إلى أن ملوك تلك الفترة كانوا حريصين على تدوين إنجازاتهم، ودلت على أن المدينة كان بها قصر ضخم وعدد من المعابد.
ويقول الدكتور عبد الرحمن علي مدير عام الهيئة القومية للآثار والمتاحف لـ «الإنتباهة» إن الاكتشافات في كرمة مهمة جداً، وكرمة هي أول دولة سودانية مستقلة نشأت في الفترة من 2500 إلى 1500 قبل الميلاد، وهي أكبر مركز حضري وعمراني في إفريقيا جنوب الصحراء، وقال إن البعثة السويسرية تعمل في الموقع لأكثر «47» عاماً، وقد اكتشفت الكثير من الآثار تؤرخ للمملكة المروية، وأكد أن الاكتشافات الأخيرة شملت أنماطاً معمارية لمبانٍ وقصور تميز حضارة كرمة وليس لها شبيه في المحيط الإقليمي. وقال إن هذا الاكتشاف جاء في وقت مهم للتعريف بالحضارات السودانية مما يؤكد عظمة التاريخ السوداني، كما أنه يساعد في الترويج للثقافة السودانية، وبصورة أخرى يزيد من عائدات التنمية والدخل القومي.
وفي الوقت نفسه أكد أن المكتشف إلى الآن من الآثار السودانية يمثل 10% فقط من المخزون الإستراتيجي للآثار السودانية، وذلك لأن هناك ــ والحديث لمدير الهيئة ــ إرثاً ضارباً في القدم منذ أكثر من 3500 سنة قبل الميلاد. ويقول د. عبد الرحمن إن هناك تعاوناً عالمياً في مجال الآثار، وتوجد لدينا أكثر من «400» بعثة عالمية تعمل في مجال الآثار وفي كتابة وتوثيق التاريخ السوداني. وحول سؤالنا له عن دواعي ذلك أكد أن السودان ضمن إحدى عشرة دولة في العالم تتميز بالجواذب السياحية، مشيراً إلى أن الآثار جزء من هذه الجواذب، وأضاف أننا نحتاج لترويج أكثر للتعريف بالحضارات السودانية واستقطاب الدعم الخارجي للعمل في السياحة، خاصة أن الدولة وضعت أهمية للسياحة ولها أمل كبير في أن يكون لهذا مردود اقتصادي كبير يساعد في التنمية الاقتصادية.
ولكن فتح الرحمن السيد المتخصص في الآثار أكد لـ «الإنتباهة» أن العالم الخارجي يسعى باستمرار لاقتناص ثروات غيره عن طريق التهريب وغيره من الوسائل التي يتعذر على السلطات اكتشافها. وبرهن على أنه ليس البترول وحده ولا المعادن النفيسة فقط هي ما يستهدفه الاستعماريون وأصحاب النفوذ من الدول المتربصة بنا على الدوام، ولكنه قال أن الآثار وحفرياتها واحد من المكونات التي تخلق الفارق. وقال إن ما هرب من آثار يؤكد مكانة وعظمة الحضارة السودانية، وأن الدول التي وصلتها هذه الآثار في الغالب يحكمون عليها بأنها مصرية نسبة لتشابه الحضارة السائدة في المنطقتين آنذاك، ولكنه رجع وقال إن الأصل في هذه الحضارة أنها سودانية، كما قال بذلك الكثير من المتابعين والمختصين، ولم يستبعد تورط دول في تأجيل كشف آثار الحضارة السودانية، وقال إن ذلك من شأنه أن يغير الخريطة الآثارية في العالم، وأن البلاد صاحبة القوة تتحكم في مصير وحياة الشعوب، مرجعا ذلك لضعف ثقافة التاريخ وسط المواطنين، إلا إن تاريخ السودان سيبقى ضارباً بأصوله في القدم، وسيكون محفزاً لنهضته مجدداً بعد أن أقعده التخلف واللامبالاة عن مواكبة التطور التاريخي للشعوب الناهضة، في وقت أصبح فيه التاريخ أحد عناصر القوة التي ترتكز عليها الشعوب في نهضتها وتقويم مسيرها.
> تقرير: عبد الله عبد الرحيم
صحيفة الانتباهة