النكته تعاملت معها فكاهيا فضحكت ، ولكني وفي ذات يوم ما سمعت رئيس دولتنا يقول عن المحامي المعارض فاروق أبو عيسى ” ما عندو
قبيلة ” فعرفت ماذا يقصد هل الجانب الإصطلاحي أم السوسيولوجي ؟ وحمدت الله أني أعرف أبوعيسى قلبا وقالبا ومنذ سنوات طويلة وأعرف أن أسرته من أميزالأسر في قبيلة الجعافرة ، ولكنه لم يحدث إطلاقا أن قال ” أنا جعفري” .
أدرك مسبقا أن هذا الموضوع له حساسية شديدة لدى البعض وقدأوصف بالتخلف ، ولكن فرضته الظروف ، ففي جلسة ظريفة بداري المتواضعة تحدثنا فيها حول الكثير من المواضيع الفنية والأدبية ، سألني أحدهم عن المبدعين من ” الشوايقة ” في مجا ل الأدب والفن مع نكتة ساخرة ومرة وأليمة ” والله يا أبو مهيرة الشايقية ديل يا للعسكرية يا الطورية !” النكتة إستفزتني وجرحتني ، وهو لا يدري أني أعرف الكثير جدا من المبدعين في شمال السودان بل بإمكاني أن ألقي محاضرة عنهم ، وهذا الأمر شغلني لسنوات طويلة ، والوالد رحمة الله
عله – ظل حتى وفاته يقول لي ” أعرف أهلك وناسك ” وكنت أعرف ماذا يعني ! وكنت أقول له ” أهلي السودان ” فيضحك .
كان يقول لي ” شايف شلوخي ديل ؟ فاقول له نعم شايفها ، فيقول لي شلوخي ديل رمزوعز السودان ، انا ماني شايقي أنا سوداني ، ظل هذا الأمر يحيرني لدرجة أني لا أنام ، فالوالد رحمة الله عليه – كان يحب السودان كثيرا ، المهم بعد النكته الساخرة إكتشفت أن هناك نجوما بغض النظر عن أصولها القبلية – تستحق أن تذكر فقررت أن أكتب عنهم محاولا الإجابة عن السؤال ، وقلت لم لا أدفع الأخرين للكتابة عن مبدعيهم لعلنا نصل إلى موسوعة مكتوبةوموثقة و مفيدة للجميع ، وأقول لكم بصراحة شديدة رغم عدم قناعتي بالأمر ولكن إذا ما تخلصنا من ” الحساسية المفرطة ” فالأمر ” طريف ويستحق الإهتمام ” .
كثير من النا س يتحدثون عن أصولهم ولكن دون تجريح للآخر ، وبحكم الغريزة والعاطفة الإنسانية يميل الإنسان إلى والدته ووالده وأخواته وأخوانه وربما جيرانه وأبناء ” حلته ” والبعض من قبيلته ، وهذاالنوع الأخير لا أظنه متخلفا ، إنما هي غريزة إنسانية كما قلت ومهما يكن الأمر فعبارة ” أعرف نفسك وناسك ” تدخل في سياق الموضوع ، لأنك لو عرفت “نفسك وناسك ” لساعدك ذلك على تحمل الغربة وصعوباتها ، وفي حياتي الممتد ة لعقود قابلت الكثيرين الذين يتحدثون عن أصولهم وإذا أحس أن بك حساسية عبر عن ذلك بطرق أخرى ، وكثير من الناس يبدون تعصبا إما علنا أو سرا ، وأنا شخصيا لي أصدقاء من كل أقاليم وقرى ومدن السودان ، ولا أفرق إطلاقا بين هذا وذاك وإنما ” أشغل مخي ” ، المهم التكاتف والوعي .
وكثيرا ما كنت أشجع قيام الجمعيات والروابط والكيانات السودانية في المهجر ، وخذوا كمثال منظمة البجا والجمعية النوبية للتنمية ، لا نستطيع أن نصفها بأنها هلامية ولا فائدة منها ، او أنها عنصرية ، فهي تقدم خدمات لذويهم في الداخل تعبر عن ذلك التكافل السوداني الرائع ، والحديث يطول في هذا الشأن ، وخير مثال في ذلك ما حدث في فيضانات 1985 .
عموما لقد أنجبت منطقة شمال السودان وتحديدا ” الشايقيّة ” ودعونا نستخدم تعبير ” منحنى النيل ” حتى لا نقع في براثن ” العنصرية ” الكثير من رموز الفن والشعر والأدب في السودان : في مجال شعر المديح حسب مطالعاتي وقراءاتي لدراسات المتخصصين خاصة كتابات فاطمة أحمد علي : الشيوخ ود حليب وحاج الماحي وود شبو وود حسين وود سعيد والنقشابى وود الهريف وأبو شريعة أما الشعراء فهم كُثر نذكر منهم :”الحقانية ” مهيرة بت عبود حسونة وعبد الله الشيخ البشير، مصطفي عوض الله بشارة وحسن الدابى ،محمد عبد العزيز ، محمد جيب الله كدكي ،عبد الله محمد خير ، نور الهدى كُنّة ، محجوب شريف ، إسماعيل حسن ، سيد أحمد الحردلو ، الحسين الحسن، هاشم صديق ، قاسم الحاج، السّر عثمان الطيب ، محمد سعيد دفع الله ، محمد الحسن سالم (حميد) ،قاسم الحاج ، تاج السر عباس ، الدكتور محمد بادي العكودابي (ودبادي) ، أزهري محمد على ، إبراهيم أبو نعوف ، أحمد النضيف ، خضر محمود، محمد عثمان عبد الرحيم صاحب (أنا سوداني) ،عبد الرحمن الريح ، عمر الحسين(شدولك رِكِبْ فوق مُهرَك الجمّاح) ، مدني النخلى ، محمد أحمد سوركتي، حاتم حسن الدّابى ، سيد أحمد عبد الحميد ، محمد المهدى حامد ،عبد الله كنة، خالد عباس شقوري ، الفاتح إبراهيم بشير ، خالد الباشا ، إيمان أبن عوف، وغيرهم الكثير ، ولم أقرأ لأي واحد من هؤلاء أنه قال ” أنا فلان الفلاني وقبيلتي كذا وكذا ” .
وفى مجال غناء الحقيبة الفنان محمد أحمد سرور ،الفنان عبد الحميد يوسف، وفي الغناء الوطني العملاق حسن خليفة العطبراوي ، وفي مجال غناء الحماسة محمد الحسن قيقم ، علي إبراهيم اللّحو ، محجوب كبوشيّة، وفي مجال الغناء الحديث نجوم شكلوا وجدان الشعب السوداني أمثال ، سميه حسن ، عثمان حسين ، الجابرى ، إبراهيم عبد الجليل ، سيف الجامعة ،أحمد شاويش ، ثنائي العاصمة ، مصطفى سيد أحمد ، حيدر بورتسودان ، حيدرحدربى ، خالد الصحافة ، محمد ميرغنى ، الموسيقار بشير عباس والملحن حسن بابكروالملحن سمير والملحنة أسماء حمزة ، وفي مجال ” غنا البنات ” لا ننسى ملكة مروي والسودان حواء جاد الرسول ” الطقطاقة ” وبمعنى أصح حوه الرصاصة .
الطمبور
أما في مجال غناء الطنبور منهم عملاق الأغنية الشايقية الفنان عبدالرحمن عجيب ، وملك الطمبور الفنان النعام آدم ،بخيت صلاح ، محمد جبارة ، محمد كرم الله ، إسحاق كرم الله ، عثمان اليمنى ، عبدالرحمن بلاّص، صديق أحمد ، ميرغني النجّار ، يوسف كرم الله ، طارق العوض ، محمدالنصرى ، ثنائي العامراب ، جعفر السقيد ، عبدالرحيم أرقي ، عبد الرحيم البركل ، عبد الرحمن البركل ، وغيرهم الكثير ، ولم أقرا لأي واحد منهم أنه قال ” أنا كذا ”
الرواية والقصة
أما في مجال الرواية والقِصّة فهم الملوك المتوجين علي عرش الكلمة ويكفي منهم الأديب العالمي الطيب صالح ، الدكتور مختار عجوبة، الأستاذ سيف الدين حسن بابكر، اللواء عوض مالك ، الدكتورة بثينة خضر مكي ، الأستاذة نور جعفر، وليلي حسن سلمان ( أم أحمد) ، وفى مجال الإهتمام بالمسرح والسينما هناك : الفكي عبدالرحمن ، علي عبدالقيوم ، حوريه حسن حاكم ، هاشم صديق ومحمد فتح الرحمن وذو الفقار حسن عدلان ، وكاتب هذه السطور كأمثلة لا أكثر ، وجميعهم يكرهون كلمة ” أنا كذا ” وفى الفن التشكيلى إبراهيم العوام ، راشد دياب ، سيف الدين حسن بابكر ، سميرة الدوش وغيرهم ، وفى مجال البحث التراثي والتاريخ المؤرخ عثمان سعيد ، محجوب كرار ، بلاص وداراب ويوسف إبراهيم ، عباس الزين ، إخلاص محمد عثمان ، محجوب العاقب ،و محمد عمرباتوري ، وفي فن الكاريكاتير هناك حسن حاكم ومحمد حاكم وغيرهما ، وفي مجال الكتابة بأنواعها والصحافة والإعلام جيش جرار ” تقولي منو وتقولي شنو !!!
والآن يا صديقي هل رددت على سؤالك أو أقل القليل ؟ ” أوعوا تقولوا لي الناس في أم دوم وأم روابة وانت في أم تكشو ” !!!
عسكريا حكمنا عبود وهو شايقي ، وحكمنا نميري وهو دنقلاوي ، والان يحكمنا البشير وهو جعلي ، وفي نهاية الأمر لكل هويته والدولة للجميع .
بقلم : بدرالدين حسن علي