زوجة أحد المتهمين في قضية غرانفيل : هذه هي (….) رسالتي لرئيس الجمهورية..!

اختبأت عيناها خلف النقاب الذي ترتديه واختبأت معها كذلك الكثير من الأحزان التي تملكتها منذ غياب زوجها عن المنزل قبيل ثلاث سنوات تقريباً، وذلك بعد أن تم إيداعه السجن ضمن مجموعة من المتهمين بقتل الامريكي غرانفيل في قضية شهيرة، قالت لنا بعد أن تفحصت الاوراق التي امامنا جيداً: (اريد أن يعود لي زوجي ولابنائه…لا اريد شيئا سوى هذا…انا لا اطلب مساعدة او ايا من هذا القبيل)، صمتت قليلاً لتغالب دموعاً ربما استعصمت عن الهطول لأغراض الحكي: (لقد تم اطلاق سراح عدد من المتهمين معه في القضية ضمن العفو العام، وانا هنا ابعث برسالة لرئيس الجمهورية بأن ينظر لنا بعين الرحمة والعطف)، عند تلك النقطة تركناها لتتحدث وتحكي مأساتها بنفسها..
garnfeld القصة كاملة:
(رحاب) تقول لـ(السوداني): (زوجي قصي الجيلي محمد ينفذ عقوبة السجن لاثني عشر عاماً ونصف العام تحت أربع مواد مختلفة هي (99- 26- 130- 26 ) على المادة (21) اشتراك عن إدانته بمساعدة تهريب قتلة الدبلوماسي الأمريكي (جون غرانفيل) بالهروب من السجن القومي بالخرطوم بحري (كوبر). وفي سنوات وجوده خلف القضبان لم يجلس مكتوف الأيدي يذرف دموع الندم وندب الحظ فقط بل توجه إلى مسار آخر فقرر أن يُحول (محنته) إلى (منحة) فقد وفقه الله لحفظ القرآن الكريم وتجويده برواية حفص عن عاصم وامتحانه من داخل السجن بواسطة لجنة من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية. وإحرازه درجة الإمتياز. وعلى يديه الآن يحفظ زملاؤه. وبحسب المستشار القانوني معتصم الأمير فإن المعمول به في قانون السجون ينص على إسقاط ما تبقى من العقوبة وإطلاق سراح أي نزيل يقوم بحفظ القرآن الكريم أو أي عدد من أجزائه على حسب مدة الحكم.
ابناء حزينون:
(السوداني) التقت بزوجته وأبنائه الستة للتعرف إلى ظروفهم والتحول الكبير الذي حدث في حياتهم بعد غياب والدهم. زوجته (رحاب) عرفتنا بأبنائها محمد أكبرهم سناً وله من العمر (13) عاماً وشيماء (11) عاماً وآمنة ذات التسع سنوات وعرفة (7) سنوات واسامة (6) سنوات وأخيراً آخر العنقود يبلغ من العمر عامان ونصف العام وقد كانت والدته (حبلى) به عندما سجن والده.
معاناة كبيرة:
(رحاب) تسترسل بعد فترات صمت متقطعة: (عانينا كثيراً خلال السنوات التي غاب فيها قصي، وأَصيب الأولاد بحالة اكتئاب وتدهور في الدراسة)، مبينة أن أكبر أبنائها الذي امتحن (الأساس) كانت درجته ضعيفة مقارنة بسنوات دراسته السابقة وكذا الحال لبقية إخوته في تراجع مستواهم الدراسي، وفيما يبدو أن الزوجة قررت أن تحمل المسؤولية في غياب رب الأسرة دونما الإستعانة بأحد فلم تُبارح بيت الزوجية الكائن بـ(أم دوم).
خيبة امل:
بالسؤال عن إعالة الأسرة ومتطلبات الحياة أخبرتنا (رحاب) أنها ربة منزل حيث تشرف على تربية الأبناء ورعايتهم وأنها تتألم من أن عم الأولاد هو المتكفل بالإنفاق عليهم ومصدر ألمها أن العم له مسؤولياته وأبناؤه وهو من ذوي الدخل المحدود في ظروف إقتصادية صعبة ومعايش جبارة. وتُتابع (رحاب) قائلة : (لقد زدنا عليه الحمل وكلفناه فوق طاقته)، وأضافت أنهم قد أصيبوا بخيبة أمل عندما تم الإفراج عن بعض زملاء قصي ممن يحملون نفس المواد بعفو رئاسي صادر بتاريخ (30 1- 2013 م) وخيبة أملهم في أنه لم يكن منهم، (رحاب) صمتت برهة لتقول بعدها كلاما للحق لم نفهمه جميعا من نوبة البكاء التي غطت على ملامح الحروف، لكننا أدركنا أن العقوبة كانت قاسية جداً عليهم وألحقت ضرراً بليغاً بهم وعلى الأسرة المحيطة خاصة أبناؤه الذين تركهم بلا راع ولا كفيل وأن الأثر إمتد نفسياً ومادياً.
رسالة استرحام:
زوجة وأبناء النزيل وأقاربه بعد أن ضاقت بهم السبل يتوجهون اليوم برسالة استرحام إلى رئيس الجمهورية آملين النظر إلى حالتهم بعين الاعتبار والاهتمام في الاستفادة من برنامج (العفو) المطبق على حفظة القرآن الكريم من النزلاء، (رحاب) تخبرنا أنه لم يجبرها على طلبها سوى قلة الحيلة والحاجة الماسة لزوجها لمشاركتها تربية أبنائها، وتقول قبل أن تغادر مقعدها الذي ابتل من الحزن: (إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).
مخرج آمن:
نحن نعيش في جو من التسامح والعفو والمصالحة الوطنية توسيعاً للمساحات المشتركة خصوصا بعد أن تم العفو عن الكثيرين خلال الايام الماضية حتى المعتقلين والمحكومين السياسيين في المحاولة الإنقلابية الاخيرة، لذلك نتقدم بهذا الطلب الخاص إلى رئيس الجمهورية بـالنظر لهذه الحالة بعين العطف، وتحفيزاً لبقية النزلاء ودفعا لهم للإقبال نحو حفظ القرآن الكريم وتجويده لإعمال سلطاته الواردة في المادة (210) من قانون الإجراءات الجنائية وإصدار عفوه الكريم عن هذا النزيل الذي سيأتي القرآن يوم القيامة شفيعا له، فإذا لم يشفع له أبناؤه الستة وزوجته فشهادة القرآن تكفيه ليرتمي أبناؤه في حضنه ورؤية أهله وأشقائه والعودة إلى الحياة بروح جديدة، فالقرآن مخرج آمن في الدنيا والآخرة.

الخرطوم: فاطمة خوجلي
صحيفة السوداني

Exit mobile version