** تذكرت تلك المشاهد بدار النفط مساء الجمعة الفائتة، عندما وجه الأستاذ كمال عبد اللطيف وزير تنمية الموارد البشرية بعض العتاب لوسائل الإعلام، حيث قال إنها لم تحتفي بالحدث كما يجب، بل لم توثق تلك اللحظة المهمة وما صاحبها من توفيق، وقال بالنص( إعلامنا يحتفي بالكوارث، لكن ما بيقدر يحتفي بالنجاحات)..لقد صدق وزير تنمية الموارد البشرية في هذا القول إلى حد ما، ولعلكم تذكرون طائرة الإيربص التي إحترقت في مطار الخرطوم قبل ثلاث سنوات،حيث ظلت الفضائيات – السودانية وغيرها – تبث كل لحظات الإحتراق منذ بدايتها وحتى نهايتها (بثا مباشرا)، رغم أن الإحتراق كان مفاجئا..ولكن حادثة الطائرة فوكرز لم تكن مفاجئة، بحيث هبطت بعد إعلان الطوارئ بأربع ساعات، وطوال تلك الفترة كانت الطائرة تحلق في فضاءات العاصمة للتخلص من الوقود، وهي فترة كافية لنصب الكاميرات حول المدرج وتصوير مشاهد الهبوط بأكثر من زاوية..ومع ذلك، لم تبادر أية فضائية بتوثيق لحظة الهبوط، بل كاميرات جوالات المارة والسيارة هي التي وثقت تلك (اللحظة المهمة)..!!
** إتفق مع الوزير كمال بأن إدارة الفضائية القومية – على سبيل المثال – تفتقر إلى الخيال الخصب الذي يساعده على توثيق لحظات كتلك ..وكذلك إتفق معه بأن إدارة الفضائية القومية لا تواكب الحدث ولاتتقن فن (إحتكار الحدث)..إحتكار الحدث درجة من المهنية لم – ولن – تبلغها فضائيتنا هذه حتى ولو تم تجهيزها بكل عدة الدنيا وعتادها، لأن النهج الإداري المناط به التخطيط هناك لم – ولن – يبارح محطة الرتابة والروتين، إلى حيث الإبداع والمبادرة وتوثيق اللحظات النادرة.. سادة التلفزيون القومي خُلقوا فقط لبث خطب الساسة ومحاورة من نسميهم – مجازا- بالمسؤولين من مكاتبهم أو في أستوديوهاتهم، ثم كسر الحاجز الزمني بفواصل غنائية وإعلانات.. أما إحتكار الأحداث المهمة – واللحظات التي لاتتكرر – بالتوثيق، فهذا هو الإعلام الحقيقي الذي لم يُخلقوا له..علما بأن مرحلة (إحتكار الحدث)، هي التي تلي مرحلة (مواكبة الحدث)، وفضائتنا القومية لم تصل مرحلة المواكبة بعد، ناهيك عن الإحتكار..بدليل أن زيارة رئيس حكومة جنوب السودان إلى الخرطوم تم بثها – كخبر ثالث – في نشرة أخبار العاشرة، بيد أن تلك الزيارة – لأهميتها وتاريخيتها – كانت خبرا رئيسيا في أكثر من فضائية عالمية ومحلية..!!
** فلندع زيارة سلفا كير، وكذلك تلك الطائرة التي هبطت بعد أربع ساعات تحليقا، ولم توثق الفضائية القومية لحظة هبوطها، ربما لأن العاملين بقسم الأخبار ( كانوا معزومين في سماية واحد أخوهم في اللحظة ديك)، وربما لأن عربة التلفزة الخارجية ( كانت قاطعة بنزين)، فلندع كل هذا ونسأل بكل براءة : هل بأرشيف التلفزيون مشهد مهم ك( لحظة تسليم كارلوس، مثلا)، بحيث تساعد عادل الباز – أو غيره – في إنجاز عمل وثائقي عن كارلوس؟.. وهل بأرشيف التلفزيون لحظة مهمة ك( مغادرة إبن لادن، مثلا)، بحيث يشتريها أي مخرج عالمي ويكمل بها عمل ثوثيقي عن اسامة بن لادن؟..وهل بأرشيف التلفزيون أشهر المحاكمات السياسية التي حدثت في عهد الإنقاذ، بحيث تقدم مادتها للأجيال القادمة كجزء من تاريخ وطنهم ؟.. وهل ؟.. وهل؟..اللحظات النادرة التي لم – ولن – تجد الكاميرات الذكية كثيرة في السودان، لأن عقول الذين يتولون أمر الإعلام في بلادنا لا يتجاوز سقف خيالها حشو الأشرطة بوجوه المسؤولين وثرثرتهم..أي تلك عقول لا تتقن غير توثيق (ما لايصلح توثيقه)..!!
إليكم – السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]