من دمر اقتصاد السودان….ورد الاعتبار لحمدي 3
لقد طال أمد تخريج هذه المقالة التي اعتقدت أنها الأخيرة فزاد عدد المقالات إلى أربعة، ويعزى السبب..إلى الموضوع نفسه الذي يحاكي الرمال المتحركة..ما أن تضع رجليك داخله حتى يغوص بك ويبتلعك!!
المقالة الأولى والثانية لا بأس عليهما بحسبانهما كنتورا يشرح كيف بدا تدمير الاقتصاد السوداني، وقد وجدتا قبولا ودعما من الكثير من القراء… بينما عند كتابة هذه المقالة الثالثة صدمت لحجم الفساد الذي يلم بالإسلاميين، وكان “افتراضي” الأولي إنهم “بدريين” ولابد أن الفساد قد أخذ منحى متدرجا ولكن حتى هذا الافتراض أيضا سقط سقوطا مذريا..فالفساد بدأ فوريا بشكل مذهل مع “عملية التحرير” والخصخصة التي غلب عليها إلغاء المؤسسات الرقابية وسلطات الولاية الرقابية على المال العام مثل وزارة المالية، والبنك المركزي، وديوان المحاسبة العامة ومجلس الوزراء، والنائب العام..وأصبحت هذه المؤسسات مؤسسات شكلية!!
يجب أن يفهم القراء أن ما يسمى “بتحرير الاقتصاد” لم يكن سوى عملية خضوع ثورة الإنقاذ الإسلامية وقتها “لشروط” صندوق النقد الدولي وتطبيق هذه الشروط بشكل فوري!!
وبمقارنة السودان بأثيوبيا أذكر أنني قبل سبعة سنوات بالتقريب تابعت محاورة صحفية مع إسحق ديوان باللغة الإنجليزية قام بها صحفي أثيوبي، وهالني الفرق في الوعي ما بين صحفيينا والصحفيين الاقتصاديين الأثيوبيين وما خرجت به من المحاورة ..أن أثيوبيا رفضت رفضا تاما تطبيق شروط صندوق البنك الدولي بشكل فوري!! وفي تقديري تمثلت خطيئة السودانيين في التنفيذ الفوري لشروط الصندوق وهي نفس السقطة التي سقطت فيها روسيا برئاسة “بوريس يلتسين” في بداية التسعينيات وما أن حل عام 1999م حتى أنهار الجهاز المصرفي الروسي بالكامل بعد أن نهب المفسدون كل المؤسسات الروسية وطبخوا نفس الطبخات السودانية ولم ينجو من شرهم حتى شركة الغاز العملاقة جازبروم!! بينما قاومت الصين مثل أثيوبيا التطبيق الفوري لشروط الصندوق فنجتا من الانهيارات والفساد المعمم!!
(ملحوظة: التعجل الروسي للتحول لنظام السوق الحر market economy كان بضغط من صندوق النقد والبنك الدوليين والدول الغربية وإعلامها، ولكن، تعزى هذه الانهيارات المالية للشركات الروسية وانهيار الجهاز المصرفي الروسي عام 1999م كما ذكرت في كتابي: جهاز الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا على طاولة التشريح السودانية، إلى أن العواصم الغربية وواشنطون طبقت خطة روبرت ماكنيمارا رئيس البنك الدولي 1968-1981م على الدول النامية في السبعينيات والثمانينيات بحذافيرها على الدول الاشتراكية (تركة الإتحاد السوفيتي القديم) لإسقاطها في الديون غير القابلة للسداد بدءا من 1990م، وقد فتحت كل الخزائن الغربية للدول الاشتراكية بما فيهم بشكل خاص الصين وروسيا لتسهيل هذه القروض، وأدار عملية “الشرك المالي” خبراء اقتصاديين مجندين من وكالة الأمن القومي على غرار جون بيركينز الذي جند في نهاية الستينيات 1969م (تاب وأعترف 1974م)، ولقد حذر فلادمير بوتين حين كان نائبا ليلتسين الشركات والبنوك الروسية من هذه القروض، وحين حدثت الانهيارات الكاملة عام 1999م، ساعد بوتين فقط تلك التي ألتزمت بتحذيراته أما التي لم تلتزم تركها لمصيرها تواجه الإفلاس الكلي أو الجزئي. بالطبع، لم تخسر دول الغرب سوى نقود حسابية book money في كل عمليات الإقراض، ومقابلها استولت على الأصول الثابتة للشركات الروسية التي لم تستطع تسديد الديون بفوائدها، أو استولت على نسبة من أسهمها مقابل تلك الديون).
نجزم أن تاريخ ثورة الإنقاذ من ضربة البداية هو تاريخ نصب واحتيال ونهب للمال العام حتى قبل ظهور البترول..وقد حدث هذا لسوء حظ الشيخ الترابي متوازيا أو متزامنا مع التطبيق الفوري لشروط البنك الدولي!! ولقد سمى الشيخ الترابي هذا السقوط وهذا النهب في نهاية العقدية الأولى “بالابتلاء”، بينما سماه عمر البشير في نهايات العقدية الثانية “بالنهب المصلح”!!
إذن هذه المقالة ليست معنية بتتبع الفساد وتفاصيله مثل انهيار بنك نيما، وسوداتيل، وسودانير والنقل النهري ربطا ببنك المال المتحد، وبنك الخرطوم والنيلين، وبنك النيلين للتنمية الصناعية، والصندوق القومي للمعاشات، وفضيحة الضرائب، وفضيحة الزكاة، وطريق الإنقاذ الغربي، وزيت الأولين، وشركة سنين، والجزيرة قيت وتوكيل البصات الإيرانية، وقضية وديعة الاستثمار ال 250 مليون دولار، وفساد هيئة الإمدادات الطبية، وقضية الأدوية الفاسدة ومجلس الصيدلة والسموم، وسرقة عقودات التنموية بجنوب كردفان الخ من يرغب في ذلك عليه بهذا الخيط، وغيره كثير:
http://174.36.244.211/cgi-bin/sdb/2bb.cgiseq=msg&board=64&msg=1280902462نحن معنيين بآلية ظهور ظاهرة الفساد المالي وانهيار المؤسسات وليس بتفاصيل “عملية” فساد بعينها، ونلهث حلف من هم الذين ساهموا في تأصيل الظاهرة أو صمتوا عنها.
وبشكل عام في أية دولة تتميز بفصل السلطات ويتفشى فيها الفساد المالي الضخم، ونكرر الضخم، تتجه الأنظار عادة نحو جهتين أو ثلاثة، وبالتحديد: البنك المركزي، ووزارة المالية، وديوان المحاسبة والمراجعة العام. ففي دولة مثل انجلترا تتميز بفصل السلطات وهي أكثر دول العالم استقرارا سياسيا لقرون ومع ذلك يعاني الشعب البريطاني وإلى اليوم بشدة من “احتيال” البنك المركزي ووزارة الخزانة – فكيف يكون الحال في دولة نامية تنعدم فيها المؤسسية أو حتى تلك التي تركها لنا المستعمر تآكلت بفضل نظام مايو؟ ثم فجأة تعمل هذه الدولة تغييرات هيكلية شاملة بشكل سريع في أيام أو عدة شهور تحولا لنظام السوق الحر وتفكك معها كل الأجهزة الرقابية على المال العام؟!
فبريطانيا لكي تخرج من قبضة وربكة الفساد المالي “المصلح” أنشأت في 7 يونيو 1985م هيئة ما تسمى Financial Services Authority..واختصارها FSA وظيفتها “كلب حراسة” على بنك انجلترا (المركزي) خلعت منه جزءا من الوظائف الرقابية supervisory functions، وزادت من التحوط على وزارة المالية!! ولم تفلح ال FSA، أستطاع بنك انجلترا أن يحفر لها الحفر وأن يعمل ضدها بخفية. وفي 16 يونيو 2010م تم تفكيك ال FSA إلى ثلاثة مؤسسات رقابية مختلفة – انظر أدناه، بواسطة ممثل الملكة ال Chancellor of the Exchequer وهو أحد أقوى أربعة مكاتب بريطانية ويمثل الملكة على كل النواحي المالية والاقتصادية على الحكومة، إضافة لبنك إنجلترا:
Financial Policy Committee
Consumer Protection and Markets Authority
Serious Economic Crime Agency
أما بوتين فقد تسلم زمام السلطة من يلتسين في يونيو 2000م، وشن حربا عنيفة على مافيا المال والفساد الروسي الضخم، خاصة في الجهاز المصرفي. وأول الغيث كان اغتيال نائب محافظ البنك الروسي المركزي أندراي كوزلوف برصاصة في شوارع موسكو، وجر هذا الحدث الخيط إلى فساد محافظ البنك المركزي الروسي وشلته..وكانوا يفرضون إتاوات على البنوك التجارية وإن لم يدفعوا يسحبون منها الرخصة لأتفه الأسباب!!
ولنبدأ أولا بشرح ماذا نعني برد الاعتبار لدكتور عبد الرحيم حمدي. المقصود ليس أن نعمل له تمثالا أو نعتذر له..المقصود أن نقلل من الهجوم عليه وكأنه الشخص المسئول 100% عن تدمير اقتصاد السودان..إذا أمن أحدكم على أنه هو فعلا 100% دمر اقتصاد السودان فلن ينتبه الشعب السوداني إلى الكثيرين من الأشخاص “المجرمين” الذين دمروا هذا الاقتصاد، بل أعطوهم درجة وسام الجمهورية من الدرجة الأولى، احدهم أو المذنب الأكبر صابر محمد حسن.
فدكتور حمدي لديه ما لديه من استثمارات له أو مع شركائه بشكل واضح وصريح، قطاع خاص صريح..ليس فيه التواء. يكفي أن عبد الله دينق نيال.مرشح المؤتمر الشعبي أبان المنافسة في الانتخابات، قال: نحن نعرف ناس المؤتمر الوطني واحد واحد وبنعرفهم وكانوا اخوانا في التنظيم وبنعرف حالهم..وكيف أصبحوا الآن ولو فزت بالرئاسة أول شيء حأعمله…ملاحقتهم من أين لك هذا..ما عدا د. عبد الرحيم حمدي!!
هذه شهادة للرجل أنه ليس فاسدا!!
إضافة لذلك فتقليص ولاية وزارة المالية على المال العام إلى نحو 83% كانت قبل د. حمدي…!! ولعل لا يخون القارئ ذكاؤه ويفهم وقلتها في مقالتي أن الوحيد الذي أعترض على هذا الأمر د. سيد علي زكي..ولم أجامل حمدي!! فهو ربما لا يعرف أو يعرف ولم يعترض ولكنها من أسرار الدولة..لو أعترض حمدي كمن يضع حبل المشنقة في عنقه!! فكيف نطالبه بأن يفعل كذا وكذا وكذا..وهو حمدي المخلص لمذهبه وعقيدته الاقتصادية كرجل أعمال..ما دخله بأن يكون بطلا اقتصاديا كما يطالب الجميع؟ وهل يمكن أن يتخيل أي إنسان مهما تخيل أن تعمل الدولة لاحقا ومن خلف ظهر الشعب السوداني 600 شركة قطاع عام سرية..هي معلنة ولكن السرية كونها حكومية..وهل يمكن أن يتخيل ذلك د. حمدي بشكل مسبق عام 1993م؟
نحن نبحث ليس فقط للعدالة..بل أيضا للعقلانية في أخذنا الأسلوب الموضوعي في تحليل الواقع..وفي محاولة فهم صيرورته بدون اتهامات قطعية، اعتمادا على معطيات حقيقية وواقعية..وليس عبر الخطاب الصدامي العاطفي..ولو قرأنا المقالات السابقة مرة أخرى فيها الكثير من النقاط ضد حمدي..ولكن بحق. الإحباط والقول في حمدي (جبناك فزعة بقيت لينا وجعة) هي المشكلة في تضخيم دور حمدي على أنه منقذ الاقتصاد..فدمره!! فالرجل اقتصادي ورجل أعمال عادي..وليس بهذه النجومية كأن يكون في حجم المنظرين بول سأمويلسون، أو ميلتون فريدمان أو بول كروغمان..الخ.
وبنفس القدر الدكتور المتعافي، ليس فاسدا ومفسدا كما يعتقد الجميع!! لم يلاحظ الجمهور في الدكتور المتعافي نقطتين: أن المال العام في يده يتحول إلى عمل ظاهر تشييد أو إنتاج الخ، وحتى على مستوى استثماره الشخصي مع إخوانه فهو يعمل عملا منتجا يتطلب الكثير من العمل والجهد والدراسات وتراكم الخبرات الخ..وهذه ليست طبيعة اللصوص!! اللصوص عادة لا يحبون العمل، بمنطق بسيط…إذا وضعوا المال العام في عمل ما ماذا يتبقى لهم لينهبوه؟ هذا غير طبيعة اللص، فاللصوص أشخاص غير موهوبين يميلون إلى الأسهل مثل السمسرة و”القنص” أي عمولة ضخمة معينة في صفقة مفصلية ما، وهذا كله واضح في صفقات مثل سودانير (ما قالته الصحافة من خروج عارف أتضح أنه من الأكاذيب…فلصوص سودانير روجوا ذلك لتهدئة الرأي العام..ذكر وزير النقل مؤخرا إن الاتفاق يحتاج لوقت طووويل!). ومثل صفقة سوداتيل، ومثل انهيار بنك نيما؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر من هو الرجل الذي قبض عمولة ضخمة في صفقة بيع موباتيل؟
ولم نسمع مثلا أن الدكتور المتعافي أستأجر عربة لاندكروزر من والد زوجته بمبلغ خمسة عشرة مليون جنيه شهريا ولأكثر من ثلاثة سنوات حيث دفع فيها من أموال الشعب ستمائة مليون جنيه بالجديد كما جاء في صحيفة رأي الشعب أول ظهورها وهذا الخبر حقيقي ويتعلق بمسئول حكومي ويدير صندوقا تنمويا مختصا بأحد الأقاليم!! بل بالعكس، هنالك مائة وخمسين شركة مقاولات تحقد على الدكتور المتعافي في فترة ولايته للخرطوم لأنه لا يوافق على أسعارها المتضخمة “فوق العادة”..وفي العادة لصوص المؤتمر الوطني يطلبون من المقاولين المحليين بل أيضا من شركات المقاولات الأجنبية أن يرفعوا من أسعارهم حتى يصب جزء محترم في جيب المسئول الكبير!!
أضف إلى ذلك كله أن الوحيدين في السودان اللذين يتحدثان للصحافة وللإعلام بشكل مفصل..هما الدكتور حمدي والدكتور المتعافي.. والدكتور المتعافي أكثر تفصيلا من دكتور حمدي..بينما مثلا كبير القوم صابر محمد حسن صمته يحاكي صمت القبور!! ولكن مما لا شك فيه أن الدكتور المتعافي لا يحب “بعض” الصحفيين الذين يجيدون فن الابتزاز وليس كل الصحافة والإعلام..!!
عموما، يتحمل محافظ بنك السودان الأسبق الشيخ سيد أحمد الشيخ أيضا المسئولية وهو من زامن الدكتور حمدي في تطبيق شروط صندوق النقد الدولي وفي عهدهما أيضا تم تجريد بنك السودان ووزارة التخطيط من ولايتهما، والأخيرة تم تصفيتها وحلها بشكل كامل. وبالرغم من ذلك جارى الشيخ سيد أحمد الشيخ الوضع لأنه من الإسلاميين!! ولقد أتتني معلومات قيمة من شخص هو شاهد من الداخل كيف خصخص الدكتور حمدي القطاع العام تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي، بل كان هذا الشخص مشاركا، وسنفرد مرة أخرى مقالة عن د. حمدي. ولقد ذكرتني هذه المعلومات الجديدة نقطة فاتت على شخصي، فما أشتهر وسُمِّي “الفصل للصالح العام” هو في الواقع جزء من شروط صندوق النقد الدولي، وقد تم تفسيره بشكل خاطئ من قبل المعارضة السياسية على أنها قضية سياسية ودينية، وما أعطى هذا الانطباع الخاطئ أن هذه المذبحة لم تشمل طبعا الموظفين الإسلاميين..ويزداد عدم الفهم حين يصبح المقياس للترقية الوظيفية حضور صلاة الظهر بانتظام داخل المؤسسات الحكومية، وبالنسبة للموظفات الطرحة أو الخمار!! هذا النفاق الديني..وهذه المذبحة الوظيفية أيضا ساهما في اضمحلال الرقابة العامة على المال العام، فمن بالله قد يشك في رئيسه “البدري” يركع ويسجد لله؟
وما انتهت فترة الشيخ سيد أحمد الشيخ كمحافظ لبنك السودان في 8 يوليو 1993م حتى قفز صابر محمد حسن ليدير اللعبة بكاملها بدءا من نفس التاريخ!! لماذا قبع صابر محمد حسن ثلاثة سنوات في بنك الخرطوم (التجاري) 1990-1993م وهو أعرق بنك سوداني تأسس عام 1913م – فهل لكي يباشر صابر بيعه لاحقا لعرب الخليج؟ وهل كانت هنالك اتصالات أو تفاهمات بينية ما بين وزير المالية دكتور حمدي والمدير العام لبنك الخرطوم صابر محمد حسن في تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، أم كانت هنالك عداوة شرسة بينهما؟ أسئلة كثيرة لا يجيب عليها سوى د. حمدي أو من عمل معه بشكل لصيق. ومع الأسف لا توجد صحافة قوية تطرح هذه الأسئلة، فأحد صحفي الرأي العام مثلا كاد أن يرقص طربا لبعض كلمات المدح والمجاملة من قبل بعض الوزراء في وليمة أقامها إتحاد المصارف السودانية!!
أكبر الألغاز في مسيرة الإنقاذ الاقتصادية لماذا أنتظر صابر ثلاثة سنوات 1990-1993م مديرا عاما لبنك الخرطوم (التجاري) قبل أن يجلس على كرسي بنك السودان (المركزي). ولماذا ترك صابر محمد حسن عام 1990م وظيفته كمستشار للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي ومقره واشنطون ورجع للسودان. علما أن صابر عمل سبعة سنوات في الصندوق 1983-1990م. فماذا كان يفعل صابر في تلك السنوات الثلاثة؟ بمن يلتقي؟ ما نشاطاته والدائرة التي يحتك بها؟ فصابر ليس موظفا اعتياديا حتى يصبح بنك الخرطوم الصغير سقف طموحه الذي لا يعرف له عنان!! هذا التساؤل لم يطرح جزافا، فمصطفى “ويكيليكس” يدعي أن صابر تم “استدعائه للمشاركة في عملية البناء الوطني”، حسنا لماذا جلس صابر إذن ثلاثة سنوات على كنبة احتياطي بنك الخرطوم التجاري؟ هل حتى تكتمل الطبخة؟
عَبَرَ الدكتور صابر محمد حسن ابن مدينة دنقلا ريفي القولد والعائلة البسيطة المتواضعة بوابة صندوق النقد الدولي انطلاقا من جامعة سيراكيوز Syracuse الأمريكية بنيويورك.
توظف أول ما توظف ببنك السودان فور إكماله جامعة الخرطوم (1968م) بكلية الاقتصاد وعمل في بنك السودان ثمانية سنوات 1968-1976م. وفي الأعوام 1976-1982م عمل خلالها محاضرا زائرا بجامعة أمدرمان الإسلامية، والمعهد العالي للدراسات المصرفية، وجامعة سيراكيوز. وتحصل من جامعة سيراكيوز الأمريكية على كل من الماجستير (1978م) والدكتوراه (1982م) معا في ستة سنوات. لا ندري على نفقة من، هل على نفقته الخاصة، أم على نفقة بنك السودان أم جهة أجنبية مانحة أو أمريكية مثل جامعة سيراكيوز.
فور حصوله على الدكتوراه عمل د. صابر مستشارا للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي لسبعة سنوات 1983-1990م، بواشنطون. ترك د. صابر محمد حسن موقعه بصندوق النقد الدولي فجأة إلى السودان عام 1990م وتبوأ منصب المدير العام لبنك الخرطوم التجاري لثلاثة سنوات 1990-1993م، ولم يجلس مباشرة على كرسي بنك السودان، بل جلس عليه في عام 1993م. فهل قدوم د. صابر من واشنطون للسودان مصادفة؟ أم هو قدوم مرسوم؟ ومن الذي رسمه؟
د. صابر محمد حسن (دنقلاوي) لم يخرج من السودان ثائرا إلى ليبيا أو الخليج مثلما فعل كل المعارضين الإسلاميين السياسيين في الفترة المايوية العاصفة 1973-1979م. فهل كان إسلاميا؟ أم مايويا؟ أم تلون في فترة المصالحة؟ أو أنه لم يعمل بالسياسة أصلا؟ بصراحة لا أدري. ولقد انتقدني بعض القراء بذكري لفظة (دنقلاوي)، وردي لهم من السذاجة اتهامي بالعنصرية، فالمسألة هي من ملاحظاتي السياسية ولا اعني قبيلة الدناقلة، فحين كافح كل الشعب السوداني لإسقاط نظام جعفر النميري تجد بعض الدناقلة وقفوا مع هذا النظام فقط لكونهم دناقلة..منهم صابر محمد حسن، الذي تشير سيرته الذاتية ليس إنه مايوي فقط، بل كان أيضا تصعيده في بنك السودان ورحلته لجامعة سيراكيوز هي بواسطة نظام جعفر النميري..ولم يكن ينظر لشيء سوى مستقبله المهني!! حتى السيرة الذاتية لأحمد علي الإمام (دنقلاوي) تشير على أنه كان مايويا..وتلقى دراسته العليا بإدنبرة!!
عموما، لدى افتراضية لا تدعو مجالا للشك أن مجموعة المايويين بغض النظر عن القبيلة- المندمجة في المؤتمر الوطني لعبت دورا مخربا ضد الشعب السوداني…بشكل غير مسبوق!!
أطروحة د. صابر لنيل الدكتوراه بجامعة سيراكيوز هي كالآتي:
Stability of exports and its impact on the economic development in developing countries, the Sudanese Experience, Syracuse University, 1982. (Trade & Development Financing(
وترجمتها: ثبات عملية التصدير وأثرها على التنمية الاقتصادية في الدول النامية، التجربة السودانية مثالا، جامعة سيراكيوز، 1982. (تمويل التجارة والتنمية).
وطبعا د. صابر قصد تمويل التجارة والتنمية..بعملة الدولار!!
رؤيتي الاقتصادية عكس أطروحة صابر محمد حسن ب °360 درجة، لخصتها في مقالة بعنوان: عقيدة التصدير من مخلفات القرن التاسعة عشرة. وفي رؤيتي الاقتصادية تمويل التجارة والتنمية يجب أن يكون بالجنيه السوداني وليس بالدولار أو باليورو!! وهذه المقالة في ثلاثة أجزاء:
http://www.sudaneseonline.com/arabic/permalink/5683.html http://www.sudaneseonline.com/arabic/permalink/5686.html http://www.sudaneseonline.com/arabic/permalink/5687.htmlprint&output_type=txtوفي الحق، الدكتور صابر محمد حسن إما جاهل وإما منافق وإما الاثنين معا، ولا ندري من أين أختار هذا العنوان أعلاه لأطروحته لنيل الدكتوراه. هي جامعة سيراكيوز بالتأكيد من اختارت عنوان البحث وسيؤيدنا القارئ في ذلك سريعا!! خاصة إذا علم أن روبيرت ماكنيمارا ترك البنك الدولي في يونيو من عام 1981م – قبل أن ينال د. صابر جائزة أطروحته بعام واحد – بعد أن دخله في أبريل من عام 1968م كرئيس له، وفي خلال هذه الثلاثة عشرة سنة أسقط ماكنيمارا جميع أو معظم دول العالم الثاني والثالث في الديون غير قابلة للسداد لصالح البنك الدولي (لصالح جهاز الاحتياطي الفيدرالي أو بنوك نيويورك) بمؤامرة حبكتها وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA، حتى تجبر واشنطون دول العالم الثالث تصدير (خيراتها) إلى ما نهاية لدفع قيمة أصول مديونيتها الوهمية وأيضا دفع خدمة مديونيتها اللانهائية وبالتصدير هكذا بلا نهاية تحرم أو لا تتمتع شعوب هذه الدول النامية بخيراتها.
كان شعار البنك الدولي الرئيسي الموجه للدول النامية في الفترة 1968-1985م هو زيادة معدلات التصدير من أجل التنمية نفس أطروحة صابر محمد الحسن للدكتوراه.
إذن يصبح أثر ثبات عمليات التصدير كما زعم د. صابر مؤديا إلى إفقار هذه الشعوب من ثرواتها لا محالة ولن تحدث تنمية على الإطلاق!! كتاب: اعترافات رجل مافيا اقتصادي، لجون بيركينز طلبته شخصيا فور نشره من الولايات المتحدة الأمريكية ب 25 دولار في أغسطس 2004م، وكتبت عنه في 20 مايو 2005م بمقالة جيدة بصحيفة الأضواء، وقمت بنشر نفس المقالة في سودانيزأونلاين. هذا الكتاب يقرأه رئيس الجمهورية بعد ستة سنوات (2010م) أي بعد أن ترجمه لبنانيون عام 2008م. قال رئيس الجمهورية لمقدم البرامج الطاهر حسن التوم بقناة النيل الأزرق في العام الماضي: إنه يقرأ هذا الكتاب الآن ويستمتع به!! طيب وين المستشارين الخ ستكتشف إنهم ضاربين على الرئيس حصار لكي لا تفتح عيونه ..(أدخل للوصلة التالية لكي تقرأ مقالتي عن كتاب جون بيركينز عام 2005م).
http://www.sudaneseonline.org/forum/viewtopic.phpf=1&t=2923ولكي لا يكون الحديث غامضا ومبهما، فكلمة (خيراتها) تعني الكثير، فخذ تجربة السودانيين في العشرين سنة على يد د. صابر وسياساته التصديرية لهثا خلف الدولار الورقي والاستثمارات الأجنبية المباشرة سياسة بلا شك جوعت السودانيين. لاحظ أطروحته: تمويل التجارة والتنمية التنمية بالتصدير، والضرب على ظهور السودانيين لحثهم على زيادة معدلات التصدير – هذا هو كل ما يفهمه د. صابر عن الاقتصاد طبقا لأطروحته من أجل الدكتوراه. وفتحنا باب التصدير لثروتنا الحيوانية وغيرها إلى السعودية ماذا كانت النتيجة؟ ارتفعت أسعار اللحوم محليا وعجزت معظم الأسر السودانية شراء كيلو اللحم، وما ننتجه مثلا من شركة سكر كنانة يصدر منه 60% للخارج، لأنه ملك الشركاء العرب، كذلك الحال مع الأسمنت الخ.
والسؤال الآن موجه للاقتصاديين السودانيين: إذا أصبح كل السودانيين (الشعب السوداني) يتلمظون جوعا ويلهثون طول اليوم لسد حاجتهم البيولوجية سد ثقب الجوع، فمن أين إذن ينتجون، أو يدرسون أو يبدعون؟ الطريف في الأمر، عمل صلاح عبد الله قوش قبل عام أو عامين ورشة خاصة عن التصدير ربما بتحريض من صابر وبنك السودان- وسأل فيها الحضور: لماذا معدل تصدير السودان متدني؟ لا أدري ماذا قالوا له. ولكن الجواب سهل: لأنه لا يوجد أصلا فائض إنتاج، ولأنهم أي السودانيين قطعا ينتجوا بالكاد لإشباع حاجاتهم البيولوجية الاستهلاكية الملحة والأساسية أولا، وأضف إلى ذلك ليس عليهم أن ينتجوا لكي يصدروا ما ينتجونه. كذلك يجب أن يكون الحافز للإنتاج والإنتاجية هو زيادة معدل الطلب الداخلي المرتبط بزيادة معدل الاستهلاك الداخلي، ولا يكون أبدا التصدير هو الحافز للإنتاج كما علموا د. صابر في سيراكيوز.
وعند هذه المقالة نجزم أن دولة حزب المؤتمر الوطني يجب تفكيكها، ونضم صوتنا للسيد الصادق المهدي وكافة قوى المعارضة الشريفة لكي ترجع الدولة إلى حضن الشعب وإلى قوميتها، وليذهب هذا النظام غير مأسوف عليه!! ونواصل حتى المقالة الرابعة والأخيرة..
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
[email]shawgio@hotmail.com[/email]