التدابير لله يا ملك

[ALIGN=CENTER]التدابير لله يا ملك[/ALIGN] [ALIGN=JUSTIFY]على خشبة المسرح وفي مشهد لقاعة الحكم، يطلب الملك رأي ومشورة الوزير عندما تعيه الحيلة، يخاطبه في تعالي من إحتاج لمن هو دونه فيقول:
دبّرني يا وزير!!
فيجيبه الوزير في تواضع من يعرف قدر نفسه:
التدابير لله يا ملك.
وعلى مسرح الحياة، المشهد في حوش بيت بسيط لأسرة متوسطة الحال بحي المرغنية في مدينة كسلا، جلس حاج (صالح) على عنقريبه العتيق بعد أن صلى المغرب، وقد جلس بجواره إبنته (سناء) وإبنه (محمد) الذي عاد في الإجازة بعد إنتهاء عامه الدراسي الأول في جامعة الخرطوم، قال الحاج في حيره لإبنيه:
كيف الدبارة يا أولاد؟؟ أدوني رايكم .. ندبر أمورنا كيف بعد ما الحمد لله سناء قبلوها في الجامعة السنة دي؟
بعد نقاش مستفيض وتقليب جميع الآراء والخيارات، قرّ عزم الحاج وإبنيه على بيع منزلهم والإنتقال إلى الخرطوم، جاء ذلك القرار بعد أن وضع الحاج ثلاث إعتبارات نصب عينيه، أولهم أنه بالإنتقال للخرطوم يستطيع أن يكون بجوار إبنيه ويتمكن من العناية بهم ومتابعتهم بدلا عن سكناهم في الداخليات ومافيه من مشقة، وكي لا يبقى خلفهم وحيدا في كسلا بعد وفاة أمهم الحاجة في العام الماضي، وثالث الإعتبارات وأهمها، أن يستعين بالمبلغ الذي يأتيه من بيع المنزل في دفع المصاريف الدراسية ومتطلبات الإقامة في الخرطوم والتي يعجز معاشه الهزيل عن الإيفاء بها.
إستقر المقام بالأسرة الصغيرة في أحد بيوت أحياء الدرجة الثالثة في الخرطوم حيث وضع حاج (صالح) المبلغ الذي جاءه من بيع البيت في حساب توفير بالبنك، قام بتسديد المصروفات الجامعيه لإبنيه وإستعان بالباقي مع ما يأتيه من المعاش في دفع الإيجار وتصريف حياتهم اليومية.
مرت الأيام في سلاسة ويسر دون أن يحدث ما يعكر صفو الأسرة حتى أكمل (محمد) دراسته وبدأ في البحث عن عمل، ولكن مرور العام وراء الآخر دون أمل في الحصول على وظيفة، وبعد أن لحقت به (سناء) في التخرج وإنضمت معه لصفوف العاطلين عن العمل، لم يجد الحاج من بد بعد جلسة أخرى للمشاورات وطلب التدبير، سوى أن يستعين بالقليل المتبقى من بيع المنزل في تجهيز (محمد) للسفر إلى السعودية في (عمرة وزوغة) لعله يحظى بعمل ينقذ به الأسرة من بوادر الضيق الذي بدأت تدخل فيه.
تمكن (محمد) من الزوغان بعد إكمال عمرته و(لبد) في شقة عذّابة كسلا بجدة في إنتظار الفرج بالحصول على وظيفة، طالت أيام إنتظاره وطال معها ليل حاج (صالح) سهرا من قلق ضيق العيش الذي بات يكابده في كبرياء وجلد مع وحيدته (سناء)، فبعد إنفاق كل ما تبقى لهم من مال بيع البيت في سفر (محمد)، صار الحاج مواجها بأعباء معيشتهم وإيجار المنزل والتي فشل في مواجهتها معاشه الضئيل .. تراكم عليه إلتزام الإيجار شهر بعد الآخر، وضاق بحججه صاحب المنزل ورجاءه لأن يصبر عليه كلما جاء أول الشهر لتحصيل الإيجار، وطلبه الإمهال لحين إرسال (محمد) للمصاريف.
طلب صاحب المنزل من حاج (صالح) إخلاء المنزل بعد مرور أكثر من ستة أشهر على عجزه عن دفع الإيجار، سهر الحاج ليلته يتقلب ويدعو الله الفرج وسهرت (سناء) على السرير المجاور تبكي في صمت محنتها وأبيها بعد أن باتوا بلا ملجأ أو سند.
صلى الحاج صلاة الصبح ثم توجه لمنزل رئيس الجمعية التعاونية في الحي، وعندما حضر صاحب المنزل لإستلام المفاتيح حسب الإتفاق فوجئ بحاج (صالح) وقد نصب خيمة صغيرة إستأجرها من الجمعية بالقرب من البيت وجلس فيها مع إبنته بعد أن نقل إليها متاعه القليل، أحس صاحب المنزل والذي كان بصحبته إبنه الشاب بالحرج فطلب من حاج (صالح) لأن يعود للمنزل لحين تيسر أموره، ولكنه رفض في عزة وإباء، كما رفض دعوات كل الجيران في الحي لإستضافته في منازلهم لحين الفرج، وكان يقول للجميع:
التدابير عند الله .. خلوها علي الله يا جماعة.
في غمرة الضيق لم ينتبه حاج (صالح) لنظرات الإعجاب المشوب يالإنبهار والتي غمر بها إبن صاحب البيت وحيدته (سناء)، وقبل أن يدخل الليل على الحاج ويبيت ليلته في العراء، كان قد جلس وأهل الحي يرفعون أيديهم بالفاتحة تبريكا لخطبة أبن صاحب المنزل على (سناء) التي سلبت لبه وأبى على أبيه إلا أن يخطبها له في ساعتها.
عاد حاج (صالح) معززا مكرما للبيت، بعد أن صار بيت إبنته وزوجها الوريث الوحيد لأبيه الذي يمتلك أكثر من عشرة عقارات غير ذلك البيت، عاد الحاج ولسان حاله يقول:
التدابير لله .. يحلّها اللا نام ولا أكل الطعام.
وسبحان الله

حاشية: طبعا في ناس كانوا متوقعين أكتل يا سناء وللا أبوها إنتحارا .. أها كسرتا ليكم الدش في يدكم ونهيتا نهاية سعيدة.. يلا افرحوا كلكم!!! [/ALIGN]

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version