حيدر المكاشفي : نتساءل الآن عن السبب الذي يجعل اليونان تستهدف بلادنا للمرة الثانية بفضلاتها الآدمية

من اللطائف المنسوبة للفنان الضخم معنى ومبنى أبو داؤود رحمه الله، وما أكثر ما ينسب إليه من قفشات ونكات وتعليقات ساخرة بالحق وبالباطل، أنه إعتاد أن يجلس أمام منزله عصر كل يوم، كما إعتادت عربة الصحة التي تنقل الفضلات الآدمية المرور من أمامه في وقت محدد عصر كل يوم، تتوقف عنده للحظة ريثما يقفز العامل من فوقها فيحي الأستاذ قبل أن يمارس عمله قائلاً «إزيك يا أستاذ» ثم «كرب رب» يرفع الجردل ويمضي لحاله بعد أن يقلب حال الأستاذ بالروائح إياها، كان هذا قبل أن يعرف الناس السايفون وقد تأخر السودان كثيراً في تغيير هذا النظام غير الآدمي وكان من آخر الدول التي تخلصت منه حتى أطلقوا عليه «سودان سيستم»، يقول الراوي أن أبو داؤود لم يتخلص من هذا الهم «العصراوي» إلا بعد أن أحلَّ السايفون محل الجردل، وتسببت عملية الإحلال والإبدال هذه في فقدان صاحبه العامل لحرفته فهاجر يبتغي الرزق في إحدى دول البترودولار وتحسنت أوضاعه كثيراً عما كانت عليه، وذات يوم وبينما كان أبو داؤود يضع أول خطوة خارج بوابة وصول مطار تلك الدولة في زيارة لها إذا به وجها لوجه أمام صاحبه إياه والذي عندما رآه صرخ بأعلى صوته «أووو أستاذ إزيك ياخ الجابك البلد دي شنو»، إغتاظ أبو داؤود من السؤال «الجابك شنو» فما كان منه إلا أن رد الصاع صاعين قائلاً: «جيت……» وراجع والكلمة محل النقاط تعني أقضي حاجتي.. حجبناها لأنها تهدد الأمن الذوقي.

وبدورنا نتساءل الآن عن السبب الذي يجعل اليونان تستهدف بلادنا للمرة الثانية بفضلاتها الآدمية، ونرجو أن لا نسمع إجابة مثل إجابة أبو داؤود، فقد جاء في أخبار أمس بالغراء صحيفة «الخرطوم» أن شركة مياه أثينا العاصمة اليونانية تبحث إمكانية نقل آلاف الأطنان من المخلفات الآدمية المعالجة جزئياً إلى السودان، وقبل حوالي ثماني سنوات ثار الناس والاعلام في وجه شحنة يونانية مماثلة إستهدفت بلادنا لا نعلم ماذا كان مصيرها، هل عادت أدراجها أم وجدت لها مكاناً داخل تربتنا كمخصبات زراعية، أنتجت لنا فوماً وعدساً وبصلاً وطماطماً من خيرات فضلات الأغاريق ومنتجات مراحيضهم وهو الأرجح وإلا لما تجرأت هذه الشركة وأعادت الكرّة ثانية، وهذا ليس بمستغرب على أمثال هذه الشركات المنتشرة في العالم الأول والدول المتقدمة والتي تظل في حالة بحث دؤوب عن مناطق في العالم غير بلدانها تدفن أو تعالج فيها النفايات بمختلف أشكالها وأنواعها والعالم متخم بنفايات متعددة المخاطر، وتسعى الشركات العالمية العاملة في هذا المجال للتخلص منها إما بالاغراء أو أن تأخذ إحدى الدول الغريرة على حين غرّة، ولذلك وحتى لا يُغرر بنا الأفضل أن نسارع للجم هذه الشركة وتحذيرها من أن تفكر مجرد «فكرة» في وضع بلادنا كأحد خياراتها لترحيل فضلات اليونانيين وضيوفهم وزوارهم أو غيرهم إلى بلادنا، دعك من أن تدخل في مباحثات بشأنها، ويكفينا ما نعانيه من فضلاتنا وملوثاتنا السودانية فكيف الحال إذا ما زدنا عليها فضلات يونانية!؟

3 بشفافية
حيدر المكاشفي
صحيفة الصحافة
Exit mobile version