وجل ما سبق يندرج تحت الحالة المسماة المعارضة السودانية. فمن جلوسها مع الحكومة لتحقيق أدنى قدر من الاتفاق السياسي إلى اللجوء للدبلوماسية لجعل الحل الدبلوماسي حضوراً.. وانتهاءً بالعمل العسكري الذي تقوم به بعض من فصائل المعارضة، دورة من العمل السياسي والعسكري الذي يصلح لإحلال السلام ويكون الآخر في عداد المحاولات الفاشلة لإحلال السلام وجعل اشتراطات هذه الحركات المسلحة لفرض رأيها بالقوة المسلحة أمراً غير مقبول للحكومات والمواطنين على السواء.
ولما كانت جل العمليات العسكرية التي قامت بها فصائل المعارضة ضد الحكومة في السابق في مقام العمليات غير ذات الفائدة السياسية، فقد أمكن لبعضها الجلوس مع الحكومة لوقف الاقتتال كما حدث لعدد منها »حركة تحرير السودان« أبوجا 2006م و»حركة التحرير والعدالة« الدوحة 2011م و»حركة العدل والمساواة« الدوحة 2013م.
،مما سبق يتضح بداهة عدم إمكانية محاولات التخريب والغزو التي تقوم بها هذه الحركات لفرض هيمنتها على الأرض أولاً، وبالتالي عدم جدوى عمليات غزو المدن لفرض اشتراطات للجلوس للتفاوض، ومن ثم الظفر بمقادير أكبر من حجم قوة تلك القوى المعارضة سواء أكانت عسكرية أو سياسية. فمنذ أن عرف السودان الحكومات في جميع عهوده الوطنية لم تنجح محاولات غزو المدن والقرى المصحوبة بالتقتيل وترويع المدنيين وتشريد المواطنين، فكانت جميع هذه المحاولات تقابل بالرفض والتشديد والمقاومة، لكونها تستهدف مواطنين عزلاً لا شأن لهم بصراع السياسة ومنعرجاتها.
فبنظرة مبسطة لمجمل المحاولات السابقة التي حدثت من قبل لقوى معارضة، نجد الفشل التام لهذه القوى السياسية والعسكرية في فرض صوتها على الواقع السياسي، بل العكس فقد عانت تلك القوى من عزلة محلية ودولية بسبب تلك المغامرات التي جعلتها تبدو كأنها عصابات إجرامية لا هم لها سوى الغنائم والقتل بوصفها مهنة احترفها أعضاء تلك الجماعات.
ففي الذاكرة محاولة الغزو المسلح لتنظيم الجبهة الوطنية في يوليو 1976م التي عرفت في مسمى الذاكرة الشعبية »بغزو المرتزقة«، وهي كذلك المحاولة الفاشلة التي جعلت محاولات استلام السلطة في السودان عن طريق الغزو تأخذ منحى عدم الاعتماد عليها باعتبارها محاولة لأسباب ثلاثة:
1/ قوة الجيش النظامي في مقابل قوة الحركات المسلحة.
2/ اعتماد الحركات المسلحة في عملية الغزو على عناصر لها خبرة محدودة في معرفة المواقع التي يُراد احتلالها لقطع الطريق على عناصر الحكومة للانطلاق منها »الإذاعة، قيادات الأسلحة، المواقع الإستراتيجية«.
والثابت أن محاولات الغزو التي تمت من قبل يوليو 1976م ومايو 2008م كانت جميع العناصر المنوط بها التحرك للمساندة والتوجيه للقوات الغازية قد تم عزلها بالإيقاف المبكر، وبالتالي فشلت حوالي 75 في المائة من عملية الغزو الفجائية مثلها مثل عملية غزو يوليو 1976م.
وتعتبر كذلك محاولات الغزو للقوات المعتدية للمدن والقرى واحداً من ضمن الأسباب التي تجعل المواطنين العزل يقومون بعزل هذه القوات أولاً قبل السلطة المحلية والمركزية، وذلك لأسباب تكاد تكون متأصلة لدى المواطنين، منها بالطبع التفكير المسبق في عدد من فظائع وانتهاكات الغزو المفاجئ للمدن والقرى كالقتل والسلب والنهب والاغتصاب والتقتيل، زائداً ردة الفعل القوي الحكومية في التعامل مع مثل هذه الطوارئ القتالية والعسكرية.
وأثبتت جميع المحاولات التي قامت بها القوى السياسية والعسكرية من قبل عدم جدواها في فرض سلام أو نجاحات سياسية على الأرض.
فيوليو 1976م لم تجعل تلك القوى الغازية في سدة السلطة. وذلك بالرغم من المصالحة التي لم تكتمل صفوفها في 1977م.
أما محاولة غزو أم درمان في مايو 2008م فقد كانت أقل ما توصف به أنها بحث عن تدمير لقوة القوى الغازية »نفسها بنفسها«، ودون ذلك ما فقدته حركة العدل والمساواة من سلاح وعربات وعتاد وقوة بشرية.
وفي أنموذج أم روابة يظهر للعيان الغرض المسبق للقوة المعتدية، وهو محاولة الخروج من عزلتها المحلية لجعل اشتراطات الحل العسكري وجوداً على الأرض، وهو ما أثبت عدم جدواه بل عدم نجاحه في فرض سلام ينعم به المواطن، زائداً اقتناع المواطن بالسلام بدلاً من الحرب والدمار الذي تخلفه مثل هذه المحاولات.
صحيفة الإنتباهة
صلاح الدين عبد الحفيظ مالك