هناك رجل عليه أن يقوم بحراسة وترحيل ذئب وحمل وقش من الضفة الغربية للنيل إلى الضفة الشرقية للنيل.. ولديه مركب لا تحمل أكثر من فرد واحد فقط من الثلاثة المذكورين في المرة الواحدة.. ومن المعروف أن الذئب إذا ترك مع الحمل أكله والحمل إذا ترك مع القش أكله.. والسؤال هو كيف يستطيع أن يقوم الرجل بترحيل الثلاثة من غرب النيل إلى شرقه دون أن تتعرض للتلف..
وبالطبع فإن الإجابة الصحيحة تقول بأن على الرجل بداية أن يأخذ الحمل في المركب وحده ويبحر به إلى الضفة الشرقية.. وهناك يترك الحمل ويعود فارغاً.. لكي يحمل الذئب إلى الضفة الشرقية أيضاً لكن عليه أن يعود حاملاً معه الحمل إلى الضفة الغربية وينزل الحمل في الضفة الغربية ويحمل بدلاً منه القش ليذهب به إلى الضفة الشرقية وينزله مع الذئب الذي لن يهتم كثيراً بالقش.. ثم يعود الرجل فارغاً إلى الضفة الغربية ليحمل معه هذه المرة الحمل وينزله مع الذئب والقش ويكون ترحيل الثلاثة قد اكتمل ويقوم الرجل بحراستهم حتى لا يتعدى أحدهم على الآخر.. علماً بأن الرجل لن يحتاج إلى ترسيم حدود بينهم ولن يحتاج إلى مسافة عازلة تكون مساحتها عشرة سنتمرات أو عشرة أمتار أو حتى مائة متر. فقط يحتاج الرجل إلى عكاز لكي «يضارب» به الذئب الذي قد يتحرش بالحمل أو يضارب به الحمل الذي قد يتحرش بالقش..
وقصتنا مع الجنوبيين لا تختلف كثيراً جداً عن قصة «الغلوطية» المذكورة حيث إننا أمام ثلاث مشكلات في «قضية الجنوب» منها مشكلتنا مع حكومة الحركة في الجنوب ومشكلتنا مع قطاع الشمال المولود غير الشرعي وابن الحرام بتاع الحركة وأخيراً الخواجات في المنظمات الدولية. وكان علينا «أقصد على حكومتنا» أن تكون حريفة ولعَّابة وشاطرة حتى تتخارج من هذه الغلوطية وهذا اللغز المعقد. وكان عليها أن تقود دفة المركب بين الضفة الشرقية والضفة الغربية بحرص شديد حتى تتفادى ما يمكن أن يفعله الجنوبيون في الحدود و تتفادى ناس قطاع الشمال وتتفادى كذلك تحذيرات و«توجيهات» وتعليمات الفرنجة في المجتمع الدولي الذي يقف مع دولة الجنوب في كل زمان ومكان ويسبل عليهم جناح الرأفة والرحمة وعين الرضا والذي في ذات الوقت يكرهنا ــ كراهة التحريم ــ و«يحدر» لنا حتى في الضُّلُمة.. ولأولاد قاردن سيتي نقول أن الضُّلُمة هي الظلام وهي كلمة عربية مية المية لأن عرب «أبين» في اليمن تقلب الظاء ضاداً فتقول العُضَام بدل العظام والضُّل بدل الظل والضَّهر بدل الظهر.. وتقول الظالّين بدلاً من الضالين في سورة الفاتحة..
ولهذا تجدني ــ شخصياً ـ أقدر مستوى الذكاء و«الفهلوة» والجهد المخزون عند الحكومة ومستوى «اللعب والحرفنة» في الأداء الذي انتهجته مؤخراً والذي توِّج مؤخراً جداً بزيارة رئيس الجمهورية إلى دولة الدينكا بجنوب السودان.. وهذا بالضبط ما جعل المكونات الثلاثة تبدو وكأنها «محروسة في الضفة الشرقية».. ومع ذلك فإن هذا لا يمنعنا بالطبع من أن نطالب بجدول زمني وخارطة طريق لمعرفة متى سوف يتم «عملياً» فك الارتباط ما بين قطاع الشمال من ناحية وما بين الفرقة التاسعة والعاشرة والتي تجد الدعم والسند والغذاء والمرتبات والتشوين من حكومة الجنوب.. ويبدو لي أن هذا هو الذئب الذي كان يجب فصله من الحمل على الرغم من أننا بادرنا من جانبنا وفصلنا الحمل من «القش» بل وسلمنا الجنوبيين كل القش ومعه الحمل المتمثل في ترحيل البترول وفتح المعابر والحريات «تاعة أي حاجة» وظللنا نحن نمسك بالذئب من أذنيه وكان يجب أن نضربه بالعكاز.. وللمرة الأخيرة نتساءل: متى سوف يتم فك الارتباط والباقي كله ملحوق.. ومتى نخلص من غلوطية الفصل بين الذئب والحمل والفصل بين الحمل والقش وفوق كل ذي علم عليم.. وبهذه المناسبة على ماذا سنتفاوض مع ناس قطاع الشمال إذا كانوا يُمسكون بالحمل والقش ونحن نمسك بـ«المرفعين من الإضنين».
صحيفة الإنتباهة
د. عبد الماجد عبد القادر