الهندي عز الدين : ليس هناك أي منطق في أن يهاجر طالب من “دنقلا” ليدرس في جامعة “سنار” وبالعكس..!!

انتهت امتحانات الشهادة السودانية، ليترقب جميع الطلاب من أنحاء البلاد المختلفة نتيجة الامتحانات، والقبول للجامعات في “الخرطوم” والولايات خلال الأشهر القادمة.
{ لكن، وباستمرار، هناك مشكلة حقيقية تتعلق بسياسات القبول في مؤسسات التعليم العالي بالسودان، وهي تركيز القبول في ولاية الخرطوم، وعدم الإفادة بصورة كافية من جامعات الولايات التي تضم – غالباً – جميع الكليات الأساسية، التطبيقية والنظرية، من “طب” و”صيدلة” و”بيطرة” و”هندسة”، وإلى آداب وقانون وتربية.
{ تكدس (الطلاب)، و(الطالبات) على وجه الخصوص في “الخرطوم” أو (داخليات) جامعات ولائية أخرى بعيدة عن مواطنهم الأصلية، يسبب أزمات مختلفة، وتعقيدات لا قبل لهؤلاء الطلاب، ولا أولياء أمورهم بها، ثم أنه لا داعي لها في الأصل، ما دامت الحكومة قد نجحت في إنشاء جامعة في كل ولاية من ولايات السودان، وإلا فما الداعي لقيام تلك الجامعات في “كسلا”، “القضارف”، “نيالا”،” الفاشر”، “الجنينة”، “شندي” “الأبيض”، “مدني” “الحصاحيصا”، “بورتسودان” وغيرها من حواضر السودان؟!
{ بدراسة (الطالب) أو (الطالبة) في كلية بذات المدينة التي يقطنها، تتحقق عدة مكاسب، أولها الاستقرار (النفسي) للطالب، ثم الاستقرار (المادي) له، ولأسرته، إذ لا حاجة لفواتير السكن، والوجبات، والاتصالات والمواصلات و…
{ وإذا كانت الأسرة من “كسلا” ترسل “ثلاثمائة جنيه” شهرياً – مثلاً – لابنها أو بنتها الطالبة بجامعة السودان، أو النيلين أو الخرطوم، فإنها قد لا تحتاج إلى إنفاق (نصف) هذا المبلغ في حالة دراسته أو دراستها بكلية الطب – جامعة “كسلا”. وبالتأكيد فإن التحصيل الأكاديمي لطالب وسط أسرته أفضل من آخر يغيب عن أهله ستة شهور!!
{ ليس هناك أي منطق في أن يهاجر طالب من “دنقلا” ليدرس في جامعة “سنار” وبالعكس..!!
{ انتفت الآن المبررات بأهمية (تعارف) أبناء السودان من المناطق المختلفة على بعضهم البعض، وعلى جهاتهم وقبائلهم ولهجاتهم وسحناتهم، لأننا وببساطة – رغم هذه الفكرة في سياسات القبول القديمة – صار مجتمعنا أكثر (قبلية) و(جهوية)، وأصبحت هذه الأجيال أشد ولاء للقبائل والجهات حتى داخل الحزب الواحد!!
{ ثم أن العالم صار (قرية) صغيرة بفضل ثورة الاتصالات الهائلة، فكيف لا يصبح السودان (حارة)؟!
{ يجب أن تنتبه الجهات المسؤولة عن التعليم العالي في بلادنا إلى مظاهر التهتك والانحلال الأخلاقي الذي ضرب جامعاتنا ومؤسساتنا التربوية من (الأساس) إلى (الثانوي)، فعلى الجميع أن يبذلوا قصارى جهودهم ليكون أبناؤهم وبناتهم تحت بصرهم ومراقبتهم اللصيقة.
{ أما المزايا الأكاديمية لبعض الجامعات، فقد تضاءل أثرها في ظل وجود شبكات الإنترنت، ومراجعها الكثيفة، فليس بالضرورة أن يكون خريج (طب الخرطوم) أكثر تميزاً من خريج (طب القضارف)، وقد ذكرت في مقال سابق أنني صادفت طبيبة (نائبة اختصاصي) بمستشفى (الفيصل) بالخرطوم، وقد أدهشتني جداً قدرتها اللافتة في التشخيص والعناية، وعندما سألتها هل درست بكلية (طب الخرطوم) أم (الجزيرة)، هالني أنها أجابت: (طب الأبيض)!! وشقيقي، وأظن أنه مميز، درس في كلية (طب سنار).
{ انتهت – إذن – (عقدة الخرطوم)، فلا ترهقوا “الخرطوم”، ولا (تهملوا) بناتكم وأولادكم في داخليات (الصندوق)، أو في الشقق الخاصة، فإنكم إنما تزرعون بذلك (ريحاً)، وستحصدون (عاصفة)!!
{ المطلوب من قيادة الدولة قرار وتوجيه واضح، خاصة من السيد نائب الرئيس الدكتور “الحاج آدم”، وهو مهتم بهذا الملف، وجاء إلى (الرئاسة) من مقاعد تدريس الهندسة الزراعية بجامعة الخرطوم، وبالتالي فهو أعلم بالآثار الاجتماعية والتربوية والاقتصادية لحركة (القبول) في التعليم العام بدون موجهات ورؤية.

صحيفة المجهر السياسي

Exit mobile version