يظهر كثيراً في القضايا المرتبطة بالشأن السوداني التقيته في مناسبتين مختلفتين الرابط بينهما هو المشاكل السودانية واقتربت منه للمرة الأولي طالباً منه الموافقة علي إجراء حوار معه وكان ذلك في العاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) وهو يحضر ويتابع جولات التفاوض بين السودانيين وفي هذه المرة كان اللقاء به في العاصمة القطرية الدوحة وهو يحضر مؤتمر المانحين لإعمار دارفور ممثلاً لـ( المملكة المتحدة) انه المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان السيد “روبن غوين” التقيته وأخذت من وقته (19) دقيقة بعد انتهاء مؤتمر المانحين والرجل يحمل حقيبته السوداء التي لا تكاد تفارقه أينما حل كمخزن للكثير من المعلومات المهمة التي يخرجها “غوين” في كلمات مقتضبة يعبر من خلالها عن موقف الحكومة البريطانية وكانت إفادته في قضايا السلام في دارفور وعلاقة السودان مع جنوب السودان وحتي الحوار بين الحكومة وقطاع الشمال علي النحو التالي:
* سيد غوين دعنا نبدأ معك الحديث عن مؤتمر مانحي إعمار دارفور.. كيف تنظر وتقيم هذا المؤتمر؟
– حضرت هنا للمشاركة في مؤتمر المانحين الخاص بإعادة التعمير والتنمية في دارفور الذي تستضيفه قطر والذي استمر لمدة يومين وهو بلا شك مؤتمر ناجح وبالنسبة لنا في بريطانيا فإننا سعداء بتأكيد تعهداتنا التي بلغت (25) مليون جنيه إسترليني في العام الماضي وسنواصل في ذلك بمساعدة أطراف أخري من المانحين التقليديين إضافة الي المانحين الجدد الذين انضموا لركب الدعم ويسرنا ان نقدم كل الشكر والتقدير لحكومة قطر وجهودها المستمرة في دعم سلام دارفور وخصوصاً رئيس الوزراء القطري الذي ظل يتابع كل التفاصيل بصفته الشخصية وبالطبع فأن أهمية المؤتمر لا تنبع فقط من التعهدات المالية بل من الزخم السياسي الذي رافق المؤتمر كذلك.
– هناك نقطتان في هذا الخصوص الأولي ما يعرف بالحركات غير الموقعة علي وثيقة (الدوحة للسلام) وقد تمت دعوتهم في جلسات المؤتمر بالأمس واليوم لإلقاء السلاح واللحاق بركب السلام هذا بالطبع يتطلب من الحكومة السودانية تهيئة الأجواء لمشاركة هؤلاء في العملية السلمية ولكن الجميع متفقون علي انه لا جدوي من النزاع المسلح وان الطريق للأمام يمكن فقط في الحل السياسي السلمي النقطة الثانية وهي ان دارفور تعاني من نوع أخر من النزاعات المسلحة وهو القتال بين القبائل وقد شهد العالم الأحداث المؤسفة التي وقعت مؤخراً في شمال دارفور وعلي الرغم من ان هذا القتال له أسباب مختلفة عن تلك المرتبطة بالحركات المسلحة إلا أن إثارة علي المواطنين متطابقة علي سبيل المثال النزوح وقد تزايد عدد النازحين خلال الشهور الأربعة من العام الحالي وبالنسبة لنا في بريطانيا فإننا قلقون من العنف وغياب الأمن مهما كانت الأسباب ورسالتنا في هذا الخصوص واضحة وهي أن كل أنواع العنف مرفوضة وان هناك طريقاً أفضل للوصول لحلول للمشاكل الماثلة وهو طريق التفاوض السلمي علي الرغم من وجود تباين واختلافات في وجهات النظر. * وماذا عن الاتفاق الذي تم مع إحدى فصائل حركة (العدل والمساواة) في اليومين الماضيين؟
طبعاً هذا تم في إطار (وثيقة الدوحة)، وقد قامت لجنة المتابعة الخاصة بسلام دارفور بتقديم تنوير للمشاركين في المؤتمر عن الجهود المستمرة، وقد رحب المؤتمرون بالاتفاق، واتخذوا منه مناسبة لإرسال إشارة جماعية قوية للحركات غير الموقعة للانضمام للعملية السلمية، وكذلك على القائمين على أمر السلام إشعارهم بأنهم والقواعد التي يمثلونها يفوتون فرصاً قيمة بعدم انضمامهم لركب السلام. * كيف تنظرون لمستقبل السلام على ضوء مخرجات مؤتمر مانحي إعمار دارفور؟
– ما حدث في الجلسة الأخيرة للمؤتمر هو جلسة إعلان للتعهدات المالية من قبل (بريطانيا) والعديد من الدول المشاركة، وفي هذا الجانب لا يمكن أن نطلق عليه اتفاقاً جديداً، بل هو مواصلة لما تم في الماضي.
بالنسبة لنا الموضوع الأهم هو تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، على الرغم من أن الاتفاق في حد ذاته شيء مهم، إلا أن الأهم هو تنفيذ الاتفاق أعتقد أننا نري أملاً للتواصل إلي اتفاق على الأرض يوقف معاناة الأطفال والنساء والشيوخ في دارفور، لكن هناك مسؤولية تقع على عاتق الحكومة السودانية والسلطة الإقليمية لتنزيل الاتفاقيات إلي أرض الواقع، و (بريطانيا) والمجتمع الدولي يدعمان هذه العملية، ولكن كما ذكرت الشيء الأهم هو تنفيذ الاتفاقيات. * هل ما زالت (بريطانيا) تضع اشتراطات لتحسين علاقاتها مع الحكومة السودانية بصورة أكبر مما هي عليه الآن؟ وكيف تنظرون لمستقبل علاقة البلدين؟
– لـ(السودان) و (بريطانيا) تاريخ طويل مشترك، نحن نقدره، ونقدر الشعب السوداني، لدينا إيمان لا يلتبس بأسرار أو أجندة خفية بان السودان والعديد من الدول بما فيها (بريطانيا) يجب أن تمر بمرحلة من التغيير والتطور للتعاطي مع القضايا التي تواجهها، نحن في (بريطانيا) لدينا تحديات نستجيب لها لإحداث التغيير المطلوب.
بخصوص تحديات السودان نعتقد أن البلد يستفيد كثيراً من وجود نظام سياسي مفتوح وشامل لجميع القوى السياسية، نظام سياسي يجد فيه الناس الحرية للتعبير عن آرائهم، مثل هذا النظام يستفيد منه البلد في المدى الطويل، ونحن لا نقول هذا من منطلق نقد الأوضاع أو إصدار الأحكام، لأننا في (بريطانيا) لدينا مشاكل تحتاج إلي معالجة أيضاً، ولكننا نعتقد أن النقاش العام واحتمال كل الآراء هو شيء جيد ويقوي البلد. *حديثكم عن الإصلاح يواجه في المقابل بشكوك في نواياكم .. تقول الحكومة السودانية دائماً أن لديكم كلمة متحدة مع بقية المجتمع الدولي أجندة خاصة وخفية في دارفور وجنوب السودان على وجه الخصوص؟
– أقول بوضوح أنه لا توجد لدينا أجندة خفية أو خاصة، إن ردود أفعالنا تجاه مختلف القضايا تعتمد على الحقائق كما نراها ماثلة في الأرض، وكما قلت قبل قليل إن احتمال الاختلاف والتنوع شيء جيد يقوي البلد.. ليست ليدنا أجندة متعلقة بتغيير النظام إذا كان هذا ما تعنيه بالأجندة الخفية، حيث كنا واضحين مع الحركات المسلحة وقلنا لهم لا يوجد مستقبل لحمل السلاح، وأن التفاوض هو الطريق الوحيد للوصول إلي السلام، ولكن بالطبع هناك التزامات من طرف الحكومة يجب أن تقوم بها من قبيل طرح إطار يجعل هذه الحركات تنضم للعملية السلمية. * ولكن الدعم المالي الذي تم التعهد به في هذا المؤتمر ضعيف لا يرقي لما كانت تطمح فيه الحكومة .. وهو الأمر الذي ربما يجعلها تشكك في نوايا المجتمع الدولي؟
– في هذا الخصوص يمكنني الحديث عن (بريطانيا) فقط، ولا استطيع الحديث عن بقية الدول، وكما قلت لك مسبقاً فإننا نستجيب للوقائع كما هي على الأرض، وفي هذا الإطار نعتقد أن هناك أشياء في السودان يمكن أن تتم بصورة مختلفة، من ناحية أخرى أعتقد أن التعهدات بلغت (3,6) مليار دولار، وهو رقم ليس بالقليل، وإذا قال البعض إن حكومة السودان تعهدت بالنصيب الأكبر من ذلك الرقم أي حوالي (2,6) مليار، فإنه يجب إن لا يكون هذا أمراً مستغرباً لأننا نتحدث عن مشكلة داخل حدود السودان، وللحكومة مسؤولية كبيرة في تحمل مشاكلها.
وقد رأينا أن هناك دولاً عديدة أبدت رغبتها في المساعدة، ولكن كما تعلم العون يقدم للذين يرغبون في مساعدة أنفسهم بحق، وإذا شعرت (بريطانيا) والعالم إن العملية السلمية تسير بصورة جيدة في نواحيها السياسية والأمنية والاقتصادية، فإنها بلا شك ستقدم المزيد من الدعم.
من المؤكد أن (بريطانيا) شعباً وحكومة قلقون من استمرار الحرب في دارفور لأكثر من عشر سنوات ويرغبون بصدق في التوصل إلي سلام نهائي. * لكن كيف يتم التوصل لسلام وهناك حركات ما زالت تحمل السلاح.. وما هو دور المجتمع الدولي في الضغوط على هذا الحركات لترك السلاح والانضمام للعملية السلمية؟
– الكلمة المفتاحية في سؤالك هي كلمة (عملية) السلام، وطالما هي عملية فإنها شيء مستمر، وفي هذا الإطار يجب تقدير الدور القطري، وأعتقد أن اجتماعنا هذا والدعم الذي تعهد به، والاتفاق الذي تم مع فصيل من حركة (العدل والمساواة)، كل هذه خطوات ايجابية في سياق تلك (العملية)، من السهل جداً القول أن هناك أطرافاً تحمل السلاح ولذا لا شيء سيحدث، هذا غير صحيح هناك تقدم يحدث كل يوم في إطار هذه العملية وكلما يري السلاح منافع تعود على المواطنين من تلك العملية سيقتنعون بها.
* لكن منبر (الدوحة) يحتاج من المجتمع الدولي الذي يتفرج دعماً أكبر مما هو حادث الآن؟
– لا أتفق معك أن المجتمع الدولي يتفرج على الوضع في دارفور، والدليل على ذلك وجودنا في هذا المؤتمر، وكما قلت لك إننا نقدر لـ(قطر) دورها القائد في هذه العملية، ولكنني متأكد أنك لو سألت القطريين عن دور المانحين الدوليين بما فيهم (بريطانيا) فإنهم سيجيبونك بأننا لا نتفرج، وكما قلت سابقاً فإن هذه عملية تحتاج إلي مجهود ووقت.
– اعتقد أن آخر حوار بيني وبينك جرى في سبتمبر الماضي بـ(أديس أبابا)، ومن وجهة نظرنا فقد حدث تقدم إيجابي وحقيقي خلال هذه الأشهر الستة، ويبدو أن هناك التزاماً وإصراراً من جانب الحكومتين على المضي إلي الأمام وهذا الأمر يسعدنا، نحن من جانبنا ندعمه ونشجعه، وقد أصدر رئيس الوزراء البريطاني بياناً يرحب فيه باستئناف ضخ البترول من جنوب السودان، ونحن نهنئ البلدين على هذا الإنجاز، وكذلك نعلم أن هناك اجتماعات تنعقد في (أديس أبابا) بخصوص الأوضاع الأمنية صحيح أن هناك أموراً لم يتم التوصل فيها إلى اتفاق، ولكن المهم هو روح الجدية والالتزام اللتان يتسمان بهما الطرفان، ونحن من جانبنا سنقدم كل الدعم الذي نملك حتى تستمر العملية السلمية لتأتي أكلها في النواحي الأمنية والاقتصادية التي تحقق مصالح الدولتين. * وماذا بخصوص التفاوض بين حكومة السودان وقطاع الشمال؟
– هذا الأمر متروك للطرفين وللاتحاد الإفريقي، ولكن من جانبنا فقد كنا واضحين كما قلت لك بخصوص دارفور، وهو أن الطريق الوحيد إلي الأمام هو طريق التفاوض السلمي، وعلى الطرفين تحديد الطريقة التي يتم بها ذلك، لكننا نري أنه السبيل الوحيد لحل النزاع، وان حل الإشكال الداخلي في السودان سيكون له مردود إيجابي كبير على العلاقة بني السودان وجنوب السودان. * ولكن الحكومة السودانية تقول إن المجتمع الدولي يقف بجانب قطاع الشمال على الدوام؟
– كما قلت لك، كنا واضحين مع كل الأطراف سواء في سياق النزاع في دارفور، أو مع قطاع الشمال، أنه لا مستقبل للنزاع المسلح، وكذلك على الحكومة الالتزام بوضع إطار يجعل الاتفاق ممكناً، لأن السبيل الوحيد لحل المشكلة هو الحوار السياسي.
صحيفة المجهر السياسي
احمد دقش – الدوحة