تمارس في الخفاء بأوراق مزورة :أعضاء بشرية للبيع..طالب هندسة يعرض كليته للبيع لسداد رسوم الدراسة

[ALIGN=JUSTIFY]قبل سنوات وفي ميدان سليمان جوهر في الدقي بمصر وفي الثامنة صباحاً من كل يوم كانت توجد مجموعات من السودانيين يلفون ويدورون في ذلك الميدان حتى يقترب المصري من احدهم ثم يوشوش له ويذهب معه السوداني إلى مكان ما يتم الاتفاق على بيع الكلية، ونسبة لازدهار النشاط التجاري بالاعضاء ووجود اعداد كبيرة من السودانيين الذين يعرضون اعضاءهم للبيع اخذ سعر الكلية في الانحدار من «50.000 – 25.000 – 10.000» جنيه مصري.والواضح ان السوداني كان يبيع كليته لارسال جزء من المال إلى أهله لمعالجة امور مستعجلة ويستأجر لنفسه شقة يعيش فيها فترة النقاهة، ثم حينما ينتهي المبلغ ويكتشف البائع حاجته للدواء لما يترتب على بيع الكلية من آلام واعراض جانبية ثم يختفى تماماً، هذه مثالب الهجرات العشوائية للسودانيين وهذا ما يتعرض له اللاجئون خارج بلادهم واضحوا ضحية لاطماع سماسرة الاعضاء البشرية، حيث بدأت سرقة الاعضاء البشرية من المتوفين اللاجئين واحياناً تسرق قبل وفاتهم. التحقيق التالي يكشف معلومات مثيرة وغريبة عن تجارة الأعضاء البشرية:-
————–

خطر حقيقي
ومع الظروف الاقتصادية التي اهلكت المواطنين بجانب ارتفاع تكاليف المعيشة هل يمكن ان تجد هذه التجارة منفذاً إلى البلاد في ظل ازدياد اعداد مرضى الفشل الكلوي؟ حيث كشفت المعلومات الصادرة من المركز القومي لامراض وجراحة الكلى بالسودان انه في الفترة من ديسمبر 2000م وحتى ديسمبر 2007م تمت حوالي «893» عملية لزراعة الكلية بنسبة «17.6%» من جملة زارعي الكلى بالسودان منها «82.4%» من العمليات تمت بالخارج ونسبة «72.9%» كانت من متبرعين احياء واقارب و«25.4%» من متبرعين احياء غير اقارب وحوالى «1.7%» من الازواج. وتشير المعلومات الى أن هناك حوالي «7600» مصاب سنوياً يحتاج منهم للعلاج البديل المتمثل في الإستصفاء «كمرحلة مؤقتة» والزراعة «كمرحلة نهائية»، وفي كل عام يموت بين «10 – 51%» من مرضى الغسيل بسبب مضاعفات الفشل الكلوي ويضاف إلى ما تبقى من مرضى الغسيل «7600» إصابة جديدة كل عام، وتوضح المعلومات ان الغسيل لا يعالج كل مشاكل الفشل الكلوي بل ينقي الدم من السموم فقط، مع العلم بأن الكلية تفرز هرمونات ومواد مساعدة للنمو والحفاظ على وظائف الجسم الحيوية وان الزراعة تعالج الفشل الكلوي ويعود الجسم صحياً معافى.. إذاً بالرجوع لعدد المرضى ومقدرة برنامج الزراعة السوداني فمن المتوقع اجراء «60» عملية في الشهر تكلفة الواحدة منها «18000» جنيه.
وللمقارنة بين تكلفتي الغسيل والزراعة نجد عالمياً عملية الزراعة «السنة الاولى» تصل تكاليفها إلى «11653» دولاراً يضاف إلى ذلك مبلغ «7500» دولار في العام الثاني وتصل تكلفة الاستصفاء في السنة الى «6500» دولار وبعد خمس سنوات يتم دفع «4000» دولار، وتسمى هذه عملية الصيانة، أما بالداخل فان تكلفة عملية الاستصفاء تصل إلى «35000» جنيه سوداني وعملية الزراعة إلى «40000» جنيه.. في العام الثاني تنقص التكلفة بنسبة «02%» من مصروفات العلاج حيث تصبح «17600» جنيه، اما في العام الخامس فتصل إلى «13830» جنيهاً وهذه هي عملية الصيانة، هذه العمليات بالتأكيد تحتاج إلى متبرعين ولو في الخفاء بعيداً على القوانين مما يزيد العبء على المريض واسرته في حال عدم وجود متبرع.
وذكرت مصادر طبية انه في بعض الاحيان يتم شراء الكلية في الخفاء دون علم الكادر الطبي الذي يجري عملية الزراعة، حيث يتم الاتفاق ما بين اسرة المريض والبائع، وبالتالي يقومون بتزوير العديد من الاوراق التي تثبت ان البائع من الاقارب بهدف إنقاذ مريضهم، ومن خلال ذلك يبدو ان التجارة بالاعضاء والانسجة البشرية خاصة الكلى بدأت تدب إلى مجتمعنا.

نماذج مؤلمة
وقف عثمان «12» عاماً، طالب بإحدى الجامعات – كلية الهندسة امام واحدة من العيادات الخاصة لامراض الكلى والمسالك البولية متأملاً المكان وحالته تحكي عن ظروفه القاسية وحاجته إلى المال، دخل عثمان الى موظفة الاستقبال دون تردد وسألها بصوت خفيض، الطبيب موجود؟! اجابته بنعم وحتى يقابله لابد أن يسجل اسمه ويحجز له مقعداً.
جلس «عثمان» في الانتظار يتأمل وجوه المرضى الذين هلك اجسادهم المرض ثم اقترب من احدهم وكان رجلاً تبدو عليه الدعة والرفاهية، بادله التحايا وبدأ عثمان يسأل الرجل عن سبب وجوده وما أن علم حتى سرد له معاناته وعجزه عن دفع الرسوم الجامعية وقدرها «2» الف جنيه وسوف يحرم من الامتحان ما لم يسدد المبلغ، ثم اردف موضحاً انه ليس مريضاً وحالته الصحية جيدة وسبب حضوره للعيادة هو عرض كليته للبيع، ولكن شاء القدر أن يعمل عثمان مع ذلك الرجل في مؤسسته لمواصلة دراسته.
أما «بهاء الدين» الذي أعياه الفقر، فلم يجد سبيلاً يسد حاجته فأصبح يجوب المرافق الصحية والمراكز العلاجية الخاصة لعرض كليته للبيع، كما بدأ يترقب الاعلانات بأجهزة الاعلام عسى أن يجد مريضاً يحتاج لنقل كُلى، وبالفعل عثر على الشاري وقام ببيع كليته بمبلغ «5» آلاف جنيه وذلك تم بالاتفاق مع اهل المريض تحت مسمى «التبرع» والآن يواجه آلاماً اخرى جراء ما قام به!!
هذه النماذج حقيقية وان كانت الاسماء مستعارة وبالطبع هي افرازات للتطور في مجال الطب الحديث، كما انها دخيلة على المجتمع من دول العالم الآخر حيث كل شيء مباح، وما ذكر من نماذج مجرد شرارة قد تشتعل في أي وقت اذا لم توضع لها التدابير الواقية ومعرفة اسبابها.

التمسك بالميت!
الدكتورة «حليمة محمد علي فضيل» استشاري الكلى ومدير مركز الكلى بمستشفى الخرطوم، توجهت اليها بسؤال حول الاجراءات التي يتم اتخاذها عند نقل الكلى من المتبرع الى المصاب؟! قالت: زراعة الكلى هي الحل الامثل لمريض الفشل الكلوي وهناك نوعان من التبرع: إما من الاحياء وهم الاقارب وغير الاقارب، أو تبرع من المتوفين دماغياً.. وعملية زراعة الكلى تتم بعد اجراء تقييم طبي شامل للمتبرع والمتلقى ودائماً يفضل ان يكون المتبرع من الاقارب لضمان نتائج نجاح الزراعة مقارنة بالمتبرع المتوفي، ونفت د. حليمة وجود التبرع بالأعضاء من المتوفين في السودان، وعزت ذلك لتمسك السودانيين بحق المتوفي اكثر من الانسان الحي، كما اشارت إلى انعدام المتاجرة بالاعضاء خاصة الكلى وقالت ان القانون يمنعها تماماً.
ورغم نفي د. حليمة وجود الظاهرة إلا ان مصادر طبية اثبتت وجودها في الخفاء بنسبة «2%».. وأوضحت د. حليمة بأن الكلىة هي العضو الوحيد الذي يمكن المتاجرة به نسبة لان الكلية الواحدة يمكن ان تؤدي وظيفة الكليتين. ثم تحدثت عن الوضع الراهن في المركز واشارت الى أن وحدة الكلى تستوعب المرضى من ولاية الخرطوم والولايات الاخرى وهناك حالات لإلتهاب الكلى في جميع اقسام المستشفىات وجميعها حالات طارئة بعض منها يحتاج إلى غسيل «دموي او برتوني» والبعض الآخر يتطلب متابعة لتشخيص المرض، واوضحت أن بالمركز وحدة غسيل دموي تعمل بنظام ثلاث ورديات في اليوم بمعدل «06» مريضاً وكل مريض يحتاج لجلستين او ثلاث في الاسبوع لتنقية الدم، بجانب وجود غسيل ديزلة برتونية يحتاجها مرضى الفشل الكلوي المزمن، وهناك حوالي «21» مريضاً مستدامين بالمركز، ومقابل ذلك توجد صعوبات في اجراء الفحوصات اللازمة المجانية للمرضى، حيث يواجه المركز مشكلة في عدم توافر الادوية للمرضى خاصة «حقن» الابيراكس نسبة لتكلفتها العالية وهي تستعمل لرفع نسبة الهمقلوبين التي قد يعجز المريض عن شرائها متسائلة: لماذا لم تشمل مظلة التأمين الصحي كل مرضى الكلى بدون شروط؟!
مواصلة: يتم الغسيل الدموي والبرتوني مجاناً للمرضى في كل المراكز العلاجية وايضاً بمركز مستشفى الخرطوم الذي يواجه نقصاً في الكادر الطبي.

حقوق الإنسان
أثارت قضية زراعة الاعضاء وبيعها والتبرع بها في السودان جدلاً فقهياً وقانونياً حول مدى مشروعيتها.. في هذا الجانب يقول «عبد الإله زين العابدين» المستشار القانوني لوزارة الصحة القومية في ورقة علمية: إن بعض الدول ذهبت الى تنظيم التعامل في زراعة الاعضاء البشرية من خلال تشريعات لهذا الغرض وقد كان السودان من الدول التي سارعت الى سن قانون وهو قانون الاعضاء والانسجة البشرية لسنة 8791م الذي وضع عدة قيود وشروطاً لعملية نزع الاعضاء والانسجة تختلف من الانسان الحي عن الميت، كما وضع شروطاً اخرى تتعلق بعملية زرع العضو في الانسان المراد زراعة العضو له، موضحاً اذا كان نزع العضو من الانسان المتوفي يشترط ان يتم بعد الوفاة القاطعة له وموافقة الشخص المتوفي قبل وفاته وذلك بأن تكون صدرت منه موافقة قبل وفاته كتابة او شفاهة امام شاهدين بأن تنزع منه الانسجة البشرية بعد الوفاة، او إذا وافق اقرب الاقربين على ذلك بشرط ان لا يكون المتوفي قد اعترض في حياته على نزع اي عضو من جسمه، كذلك اجازت المادة «5» من القانون نزع الاعضاء من المتوفي للاغراض الطبية والتعليمية اذا حدثت الوفاة في مستشفى او مؤسسة اجتماعية، وان لا يكون للمتوفي قريب او شخص يتولى امر جثته وان لا تتم عملية النزع الا بعد موافقة قاضي محكمة الجنايات المختصة في حالة ان يكون هناك شك في ان الموت نتيجة لجناية ارتكبت بحق المتوفي، ويقتضي ذلك ان يتم تشريح الجثة قبل النزع للتحقق من الشبهة الجنائية او عدمها وفي غير ذلك يشترط الحصول على موافقة عميد الكلية الطبية او مدير المستشفى المعني على ان تتخذ جميع الاجراءات الصحية اللازمة لحفظ الجثة، كما نصت المادة «8» على أن يكون نزع الانسجة من الشخص الحي تبرعاً على سبيل الهبة ودون أي مقابل مادي، ويجوز للواهب الرجوع عن الهبة قبل نزع العضو منه وان يكون مدركاً لاي قصور قد يحدث له نتيجة لنزع العضو وما يترتب على ذلك من مخاطر.
ويمضي عبد الإله قائلاً: رغم أن القانون قد نص على عقوبات جنائية لمن يخالف احكامه، إلاّ ان هذه العقوبات لا تقع إلاّ على الافعال التي جرمها القانون بالنص عليها وليس من بينها التعامل بالبيع في الاعضاء والانسجة البشرية، مشيراً إلى أن اهم المباديء العامة للقانون الجنائي التي تنص عليها اية دولة في قانونها الجنائي مبدأ اقليمية القانون الجنائي الذي يعني أن احكامه تنطبق على الاشخاص داخل اقليم الدولة، وقد نص القانون في المادة «7» منه.. يعاقب كل سوداني ارتكب وهو في الخارج فعلاً «يجعله فاعلاً» أصلياً أو شريكاً في جريمة بمقتضى احكام القانون إذا عاد إلى السودان وكان الفعل يشكل جريمة بمقتضى قانون الدولة التي وقع فيها ما لم يثبت انه قد حوكم امام محكمة مختصة خارج السودان وبين ان قانون الاعضاء لعام 87م لم يجرم بصورة صريحة بيع الاعضاء والانسجة البشرية وكذلك لا يشكل هذا الفعل جريمة بموجب القانون الجنائي السوداني لسنة «19م». وقال: حسب علمنا فان العديد من الدول التي يجري فيها السودانيون هذه العمليات لا توجد لديها قوانين تجرم عمليات البيع هذه أو حتى تنظم عمليات نزع وزرع الاعضاء كالقانون السوداني، كما ان الدولة لا تستطيع بقانون القومسيون الطبي العام ان تمنع مواطنيها من السفر إلى الخارج لاجراء عمليات زرع الاعضاء عن طريق البيع وذلك لان معظم المرضى يسافرون دون ان تكون لهم حاجة إلى القومسيون الطبي ولا يوجد نص في قانون القومسيون الطبي يلزم السوداني بأن يأتي إلى القومسيون الطبي العام ولا يمكن ادخال نص قانوني كهذا لانتهاكه لحقوق الانسان، لذلك يجب تجريم التعامل بالبيع في الاعضاء والانسجة البشرية داخل السودان وذلك بتعديل قانون الاعضاء والانسجة البشرية وادخال نص التجريم عليه مع وضع عقوبة صارمة.

إنه الفقر
وحول الاسباب التي تقود البعض إلى بيع الكلى او غيرها من الاعضاء قال الدكتور «حافظ ابراهيم» الخبير الاقتصادي- جامعة ام درمان الاسلامية: المتاجرة بالاعضاء ظهرت في العشر سنوات الاخيرة ونجمت عن تطور الطب وزيادة الفقر في الدول النامية واحتياج المرضى إلى زراعة الاعضاء بما فيها الكلى، واضاف قائلاً: الظروف الاقتصادية وحاجة الناس للمال شجعت نمو الظاهرة بجانب تطور الطب في ان الكليه الواحدة يمكن أن تؤدي وظيفة الكليتين بنسبة «57%» وزاد من انتشارها وجود سماسرة الاعضاء البشرية، منبهاً الى أن المتبرع بها بغرض البيع يواجه العديد من المشاكل الصحية التي تنعكس سلباً على المجتمع، بالتالي يصبح عاطلاً وعاجزاً عن الانتاج ويزيد من فقر اسرته ولن يستطيع المساعدة في العجلة الاقتصادية.

رأي الدين
ولمعرفة الرأي الفقهي في زراعة الاعضاء البشرية والتبرع بها وحكم بيعها قال بروفيسور «محمد صديق علي»: ان كان المراد اخذ العضو منه حياً لابد ان يكون بالغاً عاقلاً أي أن تتحقق فيه كل شرائط التكليف، وان يكون هذا من باب التبرع، حيث يمنع بيع العضو منعاً باتاً أو أخذ اي بديل أو مقابل مادي الا اذا اشرف المراد زرع عضو له على الهلاك ولم يجد متبرعاً وابى صاحب العضو الا الثمن فيأخذه ضرورة والاثم على من طلب الثمن، واذا كان من يراد اخذ العضو منه ميتاً يمنع البيع أو اخذ مقابل من قبل الميت قبل وفاته او من ورثته مع موافقة المتوفي قبل موته على تبرعه باعضاء جسمه او موافقة ولي الدم.

اضافة أخيرة
تجارة الاعضاء ليست محصورة في بيع الكلى فحسب بل ممتدة إلى أبعد من ذلك، لكن تعتبر الكلى الاكثر بيعاً. ولقد اكد الاطباء ان بعض الاعضاء لا يستفاد منها الا إذا اخذت قبل الوفاة مثل القرنية وغيرها من اجزاء العين اذا تم استئصال ما شاء منها او قبل ان يموت الفرد، واضافوا ان المصابين بمرض الفشل الكلوي يقعون ضحية سماسرة بعض المكاتب العلاجية الخاصة التي لا ترحم.
من ذلك يتضح ان زراعة الاعضاء وبيعها والتبرع بها من القضايا الطبية الحديثة نسبياً التي يجب ان تجد الاهتمام الكامل من الدولة حتى لا يصبح السودان مرتعاً لتجار الانسجة البشرية.
إنتصار فضل الله :الراي العام [/ALIGN]

Exit mobile version