إلى مـن لا يهمهم الأمر
إي وربي يا أستاذ، شهد الله، ونحن نشهد أنك قد بلغت فأديت وأوفيت، لا فَُض فوك، ويا رعاك الله… فقد أسمعت لو ناديت حيا… ولكن لا حياة لمن تنادي.
فلمن تكتب، ومن تخاطب، ومن يقرأ، ومن يسمع، إذا كان الشخص المسؤول المباشر، والمعني بالأمر، يزعم بأن لا معاناة هناك ولا غلاء!! وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان!!.
وحُقّ له أن يزعم ما يزعم أو يقول ما يقول:
ما دام راقداً على سريره الموطّأ، (المدبَّل)، الدافئ، المفروش بالديباج والحرير!.
أو جالساً على كرسيه المستورد، المدعم، المفخم، المذهب، المبهرج الوثير!.
أو قاعداً في مكتب، مكيف، مدثر، مبخر بالندّ، مضمخ بالعطر والعبير!
أو واقفاً أمام قصره الشامخ (المسرمك)، المزهر، الواسع الكبير…
أو راكباً سيارة، مؤصّلة، مفصلة، مؤهلة، مظللة، مصفحة (حماية) للسيد الوزير!
وتسأله، يا أستاذ، يا جلف، يا… عن سوق البصل، وملاح (أم رقيقة وأم شعيفة، وأم… وأجرة الحمير..!! ألا تبالغ يا أستاذ يا غشيم، (يا عوير)!! أتراه أكل يوماً مفروكة (بمرقة الديك) أو شرب مرة من (الحفير)؟!! وأنت، أنت يا حالم ـ أما قرأت (زفرة) الشاعر المتيّم القدير:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده… ولا الصبابة إلا من يعانيها
ولا سمعت بالمثل الشعبي القديم… (الجمرة بتحرق الواطيها)؟
ولقد ذكرني إنكاره لوجود أي غلاء أو معاناة (بنكتة) زوجة الإمبراطور الفرنسي (المسطح) يوم لاذت جموع الشعب بباب قصره، تشتكي الجوع، والفاقة، فتساءلت غاضبة ومستنكرة صياحهم وإزعاجهم!!، فلما أُخبرت بأمرهم وأنهم لا يجدون خبزاً يأكلون، علقت متسائلة ومقترحة. فلماذا إذن لا يأكلون (حلوى ـ بقلاوة)؟!! نعم، هكذا يا أستاذنا المربي، هكذا حال كثير من الكبار (المرتاحين ـ المسطِّحين) لا يهمهم أن يأكل الناس عجلاً حنيذاً، أو يربطوا على بطونهم حجارة! ما داموا.. (هم) يأكلون (بعُيد) كل ما لذ من الطعام وطاب، أشهى وأحلى أنواع الفاكهة، وأرقى ألوان الحلوى والمكسّرات…
غير أنه قد جاء في ديوان الحكمة أن العاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسب غيره، فلعل الله قد سلط علينا ـ نحن المعاشيين ـ (بذنوبنا) نفراً من المتنفذين لا يرعون فينا إلاًّ، ولا ذمة، غلظت جلودهم بالشحم فلا يشعرون، وران على قلوبهم الصدأ فلا يخافون، وضرب على آذانهم الوقر فلا يسمعون، وطُمس على أعينهم، فهم لا يبصرون، نكتب، نشكو، نبكي، فيذهب كل ذلك أدراج الرياح، أو صيحة في وادٍ سحيق، حتى أصبحنا كالأيتام، لا وجيع لنا، ولا بواكي علينا، ولا صديقاً حميماً يدافع عنا، ولأننا لا نملك سلاحاً ماضياً نهدد به (أركان) الدولة كما يفعل الآخرون فيستجاب لهم!!
ومع ذلك، نعم، ومع ذلك، فما رأيكم لو (لو تفيد شيئاً لو).
1/ لو دعونا هؤلاء المساكين المسحوقين للتجمع (الصامت) أمام مقار المسؤولين المعنيين ولو لساعة واحدة كل أسبوع أو أسبوعين في العاصمة والأقاليم!.
2/ لو أضربنا عن (الطعام) ـ في بيوتنا طبعاً ـ كل جمعة (احتجاجاً وعبادة) عسى الله أن يفرّج عنا، ونحن أصلاً عن الطعام شبه مضربين. منذ أن صرنا معاشيين!!.
3/ لو رفضنا هذه (اللعاعة) أو المهزلة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع!.
4/ لو … لعل وعسى، فالأرضة جربت الحجر!.
ويا مسؤولين، يا كباار يا عوووك، نحن والله لا نريد فتح حسابات في البنوك، ولا تكوين شركات للاستيراد والتصدير، ولا عقارات للسكن والإيجار، لا، ولا، فقط نحلم… نحلم بأن نعيش بقية أيامنا بكرامة وحال مستور… فلا تعتذروا اليوم، أو تتذرعوا بضيق ذات اليد أو بسوء الأحوال الاقتصادية، فقد كانت (الدولارات) تتدفق بين أصابعكم ـ كما دموع المعوزين ـ من عائدات البترول وفي أعلى درجات أسعاره، بينما الأرض تقذف بما في جوفها من (أطنان) الأصفر الرنان، في أكثر من موقع ومكان، فما ذكرتمونا مرة واحدة على مدار أربع سنوات متتاليات (2007م ــــ 2011م)، وها قد عاد (الأسود) ليجري في الأنابيب من جديد، كما تبشر وفود المفاوضات، (المفاوضات التي ما عدنا منها يوماً برأس (كُليب) بل ولا حتى يخفّي (حُنين)!!
على أي حال، نحن طلبنا بسيط جداً، ومتواضع جداً جداً، لو صحت العزائم وصدقت النيات، وخفتم الله فينا ولو مرة واحدة،! فقط (ساووا) بيننا وبين إخواننا المعاشيين الآخرين (اللاحقين) نعم فقط نريد (معاش المثل) فالمساواة في الظلم عدل، لأنهم هم أنفسهم مظلومون، والظلم ظلمات يوم القيامة…
وليسامح الله، وليغفر الله، للخبير الاقتصادي الفذ، صاحب الفكرة (الشيطانية ــ الجهنمية) التي قسمت المعاش معاشين (قديماً وجديداً)!! وكأن الناس لا يعيشون في بلد واحد، وفي زمان واحد، ويرتادون سوقاً واحدة، فيطأون جمرة واحدة، ويصطلون بنار واحدة!!. لا إلاه إلا اللّه… لا ااإلاه اللّه!! ولا أنسى هنا أن أحيي الأستاذة/ أميرة الفاضل وزيرة الرعاية الاجتماعية التي استقالت انتصاراً لقضية هؤلاء الشيوخ المسحوقين، فضحَّت بوزارتها احتراماً لوزارتها، واحتراماً لمعنى أن يكون الإنسان إنساناً، فلها منا أعلى درجات التقدير والعرفان..
كما أنتهز هذه الفرصة لتقديم اقتراح تُرفع بموجبه (صفة) منحة عن (مائة) السيد الرئيس لتصبح جزءاً أصيلاً من المرتب والمعاش، وذلك احتراماً وإكباراً لشخص السيد الرئيس وضنّا باسمه من أن يرتبط بما سميتموها (منحة) زوراً، وهي ليست في الحقيقة أو الواقع كذلك… والسلام.
ألا هل نصحت… كما بلّغ الأستاذ عبد الرحيم علي فضل السيد!!… اللهم أشهد.
أ. ع. ع. ف
أستاذ جامعي بالمعاش
الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة [/JUSTIFY]