وان كانت الأحزاب الأمريكية تعتمد في تمويل نشاطها على التبرعات بتلك الشفافية، فان ما أثاره الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي يوم السبت الماضي بتلقي حزبه لتمويلات سرية لدعم نشاطه، يفتح الباب على مصراعيه للبحث عن وسائل تمويل الأحزاب السياسية السودانية، وهى تستعد بعد أشهر اذا قدر ذلك أن تخوض معركة انتخابية شاملة للبلاد بحسب ما نصت اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالى للعام 2005م. انتخابات ستكون الأكثر تعقيداً من نوعها التى تجري في البلاد على ستة مستويات تتطلب تكاليف أكثر مما كان متعارف عليه في مراحلها المختلفة.
فما أن يقيم حزب سياسي مؤتمرا عاما أو يرفع لافتة يدعو فيها لندوة أو أى منشط سياسي، حتى يبدأ الهمس في مجالس المدينة حول التمويل ومن يقف وراءه، ومن أين تأتى الأحزاب بهذه الأموال، التساؤل حينما يطرح ينبع غالباً من معرفة الكثيرين بهذه الأحزاب وقدراتها المالية، وفي ظل الكلفة العالية للعمل السياسي «مادياً» يظل التمايز بين كثير من القوي السياسية ينبني على الامكانيات المادية كداعم رئيسي للفكرة السياسية التى يطرحها الحزب، وتتسع الدهشة حتى تبين نواجذ القوم وهم يتابعون المؤتمرات العامة للأحزاب أو مناشطها الضخمة التى تكلف ملايين الجنيهات ولا يعرف غير القلة من أعضاء الحزب مصدر تلك الأموال.
الاعتقاد الذي كان يسود حول تمويل الأحزاب السياسية انه يتم بالاعتماد على القيادات التاريخية ذات المقدرة المالية، ولكن الآن جرت رياح كثيرة أصبحت تحول دون الاعتماد على مثل هذا التمويل نتيجة الافلاس أو مغادرة العمل السياسي، وأصبحت بعص الأحزاب تعتمد على اشتراكات الأعضاء ولكن بحسب مراقبين فانها لا تفي بنسبة تذكر من الأموال التى تسير نشاط أى تنظيم سياسي ان وجدت تلك الاشتراكات.
وبغض النظر عن دعم القيادات الحزبية المادي للأنشطتها فان كثيرين يشيرون للدعم الخارجي لهذه الأحزاب والذي يُحاط بسياج من السرية، فمثلاً الاسلاميون كان يشار الى اعتمادهم على التنظيم العالمي للأخوان المسلمين، والشيوعيون على الاتحاد السوفيتي سابقاً، وهذا الدعم الخارجي للأحزاب يتجلي بصورة أكبر عند الانتخابات.
وتتباين تقديرات المتابعين لقدرات الأحزاب المالية فبينما يذهب البعض الى تصنيف المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ضمن الأحزاب الثرية في الساحة السياسية، تصنف بقية الأحزاب خاصة التقليدية أنها تعاني فقراً مالياً أقعد بها بالاضافة الى عوامل أخري مورست ضدها من الأخري التى تتقوي بالسلطة والمال. ويمضي محللون الى أنه رغم تعدد مصادر التمويل الا أنها تميّزت بعدم استقرار منوالها، سواء فيما يتعلق بالفترات الزمنية أو المبالغ المُتلقاة، مشيرين الى أن تمويل الأحزاب يرتبط بحجم القاعدة الجماهيرية، وبدرجة العلاقة مع الجهة الممولة قرباً و بعداً. أما الاحزاب التى نشأت في كنف السلطه أو انشقت من الأحزاب الكبري نتيجة اغراءات مورست علي قادتها فان بقاءها حية تمارس نشاطها يتوقف على حجم الدعم الذي يقدم لها، ومتى ما انقطعت انقطع أكسجين نشاطها.
وان كان هذا ما يعانيه حزب الأمة من وضع مالى لا يمكنه من تلبية حاجة نشاطه السياسي، فان الحزب الاتحادي الديمقراطي يبدو رغم ما أصابه الا أن وضعه المالي يعد بدرجة امتياز حيث يسيطر تجاره على السوق، ولكن الاستاذ على محمود حسنين نائب رئيس الحزب قال لـ«الصحافة» ان العناصر التي كنا نعتمد عليها أصبحت «مفلسة» بسبب نشأة الرأسمالية الجديده المدعومة من السلطة على حساب الرأسمالية التقليدية التى كانت تساند الحزب، وقال نعتمد في الاتحادى على المواطن وقاعدتنا العريضة وهذا يستدعي بناء الهيكل التنظيمي المؤسسي ليفعل الحزب سياسياً واقتصادياً، واضاف نحن لسنا مع الدعم الأجنبي الذي تكون عليه فواتير يجب أن تدفع كما أن قانون الأحزاب لا يؤيد هذا، مشيراً الى أن واحدة من مشاكل الدعم أن الرأسمالية أصبحت تخاف من دعم الأحزاب المعارضة علناً حرصاً على مصالحها حتى لا تتعرض لتضييق من السلطة». ويشير مراقبون الى ان احدى العقبات التى تواجه هذه الأحزاب ان الذين ينتسبون لها وتعول عليهم الأحزاب في دعمها يأتون لهذه الأحزاب للكسب وليس للانفاق ما يجعلهم عالة على هذه الأحزاب أكثر من كونهم داعمين لها.
وان اعتمد الاتحاد الديمقراطي على رأسماليته في السوق، والأمة على كثرة اعضائه فان الحزب الشيوعي يبدو وضعه المالى الأسوأ بين هذه الأحزاب، فقلة جماهيريته وارتباط معظم نشاطه في فترات متعددة بالعمل السري أضعف الارتباط الجماهيري به وبالتالى دعمه، كما ان الحزب لا يحظي بدعم من الرأسمالية والتجار كمصدر تعتمد عليه كثير من الأحزاب.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التى تعد سوقاً تنافسياً يلعب فيه المال الدور الأكبر، فان الأحزاب على موعد مع اختبار مصادر تمويلها وقدراتها المالية في السباق القادم ذي التكاليف المالية العالية، فهل تقوي وتنجح في ذلك أم ستنسحب وتفسح المجال لأهل المال من ذوي السلطة؟!!.
المصدر :الصحافة [/ALIGN]