وبهذا استخدم الدين أداة بناء للدكتاتورية والطغيان رغم أن الإسلام ما جاء إلا للتحرير من عبادة البشر إلى عبادة الله الواحد الأحد، وقد قالها الصحابي الجليل ربعي بن عامر لكسرى حين سأله لماذا أتيتم إلى ديارنا فكان رده (أتينا لتحرير الإنسان من عبادة البشر إلى عبادة الله)!!..
يبحث النظام عن مفاوضات غير مستعد لها لا من المفاوض ولا من جانب المتفاوض معه وهذا وضع خطير وبائس، إذ يسمح التدخلات الجانبية (أي الخارجية) وهكذا كان الحال في مفاوضات نيفاشا وأبوجا وأديس والدوحة وغيرها!!..
وبهذا كانت القرارات التي تصدر عن تلك الاتفاقيات مدعومة بالتدخل الأممي في شكل قوات سلام وحفظ سلام، وهذا يدل بوضوح على عدم جاهزية أطراف التفاوض للتفاوض!!..
داخلياً نجح النظام في بث الفوضى في الأحزاب السياسية المعارضة فتجزأت وتفتّت، فضمّ منها ما ضمّ من شاكلة المؤلفة جيوبهم، ورضي هؤلاء بالأمر الواقع وعاش هؤلاء في رغد منعزلين حتى عن مبادئهم!!..
وكل هذه تدخل في مفهوم تحالفات الضرورة التي تمثل خطراً عظيماً على مستقبل البلاد وحاضرها.. وفي ظل الحريات الموجهة أباح النظام الحريات من جهة ومن جهة أخرى احتكرها لنفسه، فالكم الهائل من وسائل الإعلام من صحف وقنوات فضائية وإذاعات تردّد ذات القول لكن بأساليب مختلفة!!..
الطغاة كما ذكرت يتم صنعهم والصانع هو المستفيد الأول، فعادة ما تجد الطاغية إما تحت تأثير داخلي، أو خارجي وعادة ما يكون المؤثر الداخلي والطاغية معاً تحت التأثير الخارجي. وفي كل نظام الطغاة تجد له نخبة تنتفع من وجودها حول الطاغية، ففي الاتحاد السوفيتي كانت النخبة تسمى بالنومنكلاتورا وكانت هي المتحكّمة في شؤون الاتحاد السوفيتي تلك القوة العظمى!!..
أمريكا تتحكّم فيها نخبة تعدادها أربعمائة فرد بالعدد، وهؤلاء يتحكّمون في نصف الثروة في أمريكا، لنتصوّر معاً أن أربعمائة شخص يتحكمون فيما لا يقل عن ثمانية ترليون دولار بينما يعاني أكثر من ثلاثمائة مليون أمريكي من انهيارات البنوك والشركات العقارية وكل فرد من الثلاثمائة مليون هذه، مهدد بالإفلاس أو أعلن إفلاسه فعلاً!!..
وهذا ما نعانيه في السودان قولاً وفعلاً ولولا تمسك أهل السودان بالفضائل الإسلامية من تكافل وتماسك أُسري لكان حال السودان اليوم أسوأ منه بكثير!!..
والمأساة السياسية والاجتماعية في السودان تتجلى في قناعة الحكام والمعارضين بأن كلاً منهم له الحق الإلهي المقدس في الحكم، وهذا الحق مكفول لهم حتى بالطرق غير الشرعية، كالانقلابات العسكرية وتزوير الانتخابات، والدفع بأموال الله من غير حق للوصول إلى الحكم، الذي أساسه الأمر الإلهي (ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)!!..
النظام يريد مفاوضة الآخرين بحيث لا يتأثر هو كنظام، ويكتفي بسكوت المعارضين بعد أن يوفر لهم أدوات السكوت دون سلطة تذكر، فتلك ورثها النظام وحده وبالحق الإلهي!!..
كذلك تفشل كل المفاوضات وكل اتفاقيات السلام التي أبرمت وأكبر مثل في ذلك فشل نيفاشا الذي تجسد في فصل جنوب السودان وحوَّل القضية من داخلية إلى إقليمية بل وعالمية، أي فشل أكبر من هذا؟!..
مع أن الأصل في الإسلام هو الجمع وليس الفرقة (إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)!!..
كيف للسودان أن يخرج من أزمته التي تقوده إلى الزوال والتشتت، أولاً يجب أن ينسى أفراد النظام أنهم يحكمون بالحق الإلهي المطلق وأن يذكروا الوعد الإلهي الحق (وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)!!.. فالإسلام يعني ترجمة الدين إلى حياة وهذا ما فشل فيه مدعو الحق الإلهي، وقد اختصر السياسي الضليع الأستاذ غازي سليمان الأمر قائلاً: (إن المفاوضات الحقيقية التي يجب أن تجرى هي تلك التي يجب أن تدور داخل الحزب وداخل الحركة الإسلامية)!!..
وهذه حقيقة فالإصلاح يأتي من الداخل وإشراك الآخرين بشكلٍ فعلي لا صوري، وإلا فإن الأمر سينتهي إلى سيطرة بعض الأفراد على مفاصل الثروة في البلاد، وتعيش الغالبية الباقية في فقرٍ وبؤس الأمر الذي يجعل الطريق ممهداً لثورة الغوغاء أو ما يُعرف بالفوضى الخلاقة وما زلت عند رأيي في تشكيل حكومة تكنوقراط تبني ما تهدم وتعيد المشروعات الاقتصادية إلى سيرتها الأولى، على أن يقوم على الأمر السياسي والأمني مجلس عسكري مدعوم بخبرات اقتصادية وسياسية، يقوم الرئيس البشير برئاسته في عامه الأول ويستمر الحال لمدة خمس سنوات تكون خلالها المشروعات الاقتصادية قد وقفت على أرجلها وفي هذه الفترة تتكوّن الأحزاب على أساس جديد غير ذلك الذي عهدناه من قبل الاستقلال وإلى يومنا هذا..
وليعلم أركان النظام أن الحل يأتي منهم هم فقد فقدوا القدرة على الاستمرار ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه!!..
صحيفة الإنتباهة