بذل مكتب دار فور برئاسة الجمهورية الذي يقوده الدكتور أمين حسن عمر جهوداً تستحق التقدير في هذا الشأن لا يُنكرها أحد، لكن حان الوقت للتوقُّف برهة والنظر في عدم ترك الباب مفتوحاً إلى ما لا نهاية، وحسم لعبة المتمردين والسلام!
حسب المتابعة والمعرفة القليلة وما يتوفر من معلومات، فإنَّ التمرد في حد ذاته أصبح وسيلة للتكسُّب والتربُّح من قضيَّة دار فور بالنسبة لكثير من المتمرِّدين الذين لم يسمع بهم أحد في يوم من الأيام ولم يكونوا جزءًا من أي تفاعلات سياسية واجتماعية في دار فور، مجموعة من الشباب وجدوا الحصان الجامح للتمرد فامتطوه.. ثم صار هذا الحصان المدرَّب، يقدِّم لعبته ووصلته في السيرك السياسي والتفاوضي.. بعض من توقِّع معهم الحكومة اتفاقيات خلال الفترة الماضية وآخرها اتفاق السبت الماضي في الدوحة، كانوا جزءًا من حركات وُقِّع معها من قبل، بعضهم كان مع مني أركو مناوي عندما قَّع اتفاق أبوجا وجاء للخرطوم ككبير مساعدي رئيس الجمهورية ورئيس للسلطة الانتقالية في دار فور، فاختلفوا مع مني وليس مع الحكومة فانشقوا عنه وكوَّنوا حركة جديدة.. جزء كبير منهم عافته المنافي القريبة والبعيدة فانسلخ من حركة كان عضواً فيها أو لم يكن شيئاً مذكورًا وكوَّن مجموعته القبليَّة وشتات الغاضبين من الحركات الأخرى.. واتصل مع الحكومة والوساطة وخُصِّص له منبر تفاوضي… ثم كان التوقيع!
ستظل هذه لعبة و«ساقية مدوِّرة» لا نهاية لها، لن تُنهي الحكومة تفاوضًا إلا وشرعت في تفاوض آخر، كل عملية تفاوضية تلد الأخرى! بالرغم من أنه عندما وُقِّعت وثيقة الدوحة، كان القرار المقبول سياسياً وموضوعياً ألَّا تُفتح الوثيقة للتفاوض مرة أخرى مع أي جهة مهما كانت، فمن أراد الانضمام لها فليفعل ولا يتم أي حوار إلا عليها وغير مقبول تركها كزريبة مفتوحة من كل جانب يدخل من يدخل ويخرج عليها من يخرج !!
خطورة هذا المنهج التفاوضي مع متمردي دار فور والحركات الكثر، جعل وفد الحكومة التفاوضي يقضي شهورًا طويلة في الدوحة لا يتفاوض حول قضايا حقيقية تخصُّ إنسان دار فور واحتياجاته وأمنه واستقراره، إنما تحوَّل الحوار والتفاوض حول أنصبة السلطة ومواقعها وتوظيف عناصر الحركات واستيعابهم في مستويات الحكم والخدمة العامَّة والنظاميَّة..
هذه هي المعضلة التي يجب أن تنتبه لها الحكومة، فقد أصبحت لعبة الحرب والتفاوض هي أقصر الطرق لتحقيق الطموحات والرغبات الشخصية دون أن تكون لهذه الحركات التي توقِّع معها الحكومة أي تأثير على الأرض، خاصَّة أنَّ هذه الحركات الصغيرة المنشقَّة ليس لها وجود ووزن عسكري كبير يؤبه له.. وقد أغرى هذا المنهج الحكومي الكثير من المجموعات والعناصر الفالتة من حركاتها الأم للاتصال بمنافذ حكوميَّة متعدِّدة طلباً للجلوس معهم، مجموعات فقط تجلس الآن في الصف تطلب دورها… بينما كان الأوفق للحكومة أن تُغلق التفاوض، فمن أراد الانخراط في السلام فوثيقة الدوحة عالجت كل قضية دار فور ولم تغادر منها شيئاً.. فالتفاوض إن كان لا بد منه ونحن غير متحمِّسين له بعد وثيقة الدوحة، يجب أن يتركز مع الحركات الكبيرة التي تقود الآن حرباً على الأرض وتهدِّد الأمن والاستقرار فهي الخطر الحقيقي، فإنفاق الوقت والجهد والمال عليه أن يتجه لهذا الهدف… لإنهاء هذه اللعبة!
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]