الإمام الصادق المهدي أكثر السياسيين السودانيين تقديماً للمبادرات حتى أن الرجل عندما تم اعتقاله بعد أسبوعين تقريباً من قيام الإنقاذ وجدت معه مبادرة لتوفيق الأوضاع مع السلطة الجديدة، وظل منذ ذلك الحين متمسكاً بمنهج تقديم المبادرات مع الإبداع في تسميتها ومبادرته الأخير يظل اسمها خاضعاً لأحد تفسيرين وهما إما أن تكون بمعنى الفجر الصادق الذي يعقبه شروق الشمس أو أن يكون الاسم مشتقاً من اسم مقدم المبادرة نفسه. إلا أن الاختلاف في تفسير الاسم لا يغير شيئاً من مصير المبادرة التي يبدو أن حظها في الحياة لن يكون أفضل من حظوظ سابقاتها، لعدد من الأسباب، منها أولاً: وجود مبادرة ” الفجر الجديد ” المشار إليها والتي يبدو أن الذين وقعوا عليها قد حسموا أمرهم وحددوا هدفهم وهو إسقاط النظام وهؤلاء لن يعيروا أدنى اهتمام لمبادرة الإمام، والشيء الثاني هو وجود مبادرة حكومية تم تكليف العقيد عبد الرحمن الصادق نجل الإمام بصفته مساعداً لرئيس الجمهورية ليقوم بطرحها على القوى السياسية، ولا يعقل أن تترك الحكومة مبادرتها وتتبنى مبادرة السيد الصادق؛ خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن مجموعة أحزاب الحكومة والتي من بينها عدد من أحزاب الأمة المتبرعمة من حزب الإمام ستقف بشدة ضد مبادرة خصمها اللدود رئيس حزب الأمة القومي.
والشيء الثالث أن بعض أحزاب قوى الإجماع الوطني التي لديها تحفظات على وثيقة “الفجر الجديد” لديها أيضا تحفظات على السيد الصادق المهدي كشخصية معارضة للحد الذي جعلها تطالب بإبعاد حزب الأمة القومي من تحالف قوى الإجماع الوطني. وهذه الأحزاب تعتبر أن مبادرة الإمام الصادق المهدي مبادرة حكومية مدسوسة، وتتحجج بعدة مواقف تدلل بها على وجود تنسيق تحت الطاولة بين الإمام الصادق والحكومة، وذلك منذ أن منعت هيئة شئون الأنصار المتظاهرين من الانطلاق من مسجد السيد عبد الرحمن بود نوباوي العام الماضي، إلى جانب تصريحات السيد الصادق الأخيرة التي تقول: “إن الشعب لا يريد إسقاط النظام” إنما “الشعب يريد تغيير النظام” وتعتبر أن هذا الموقف حيلة لغوية لتبرير تأيده للحكومة . كما أنه ليس من المؤمل أن تحوز مبادرة الإمام الصادق على رضى الحزب الكبير “حتى لو جاءت مبرأة من كل عيب ” وذلك لنفس الأسباب التي دعت السيد الصادق للتلكؤ في تأييد مبادرة السيد محمد عثمان الميرغني المعروفة بـ ” اتفاقية الميرغني قرنق” يوم أن كان السيد الصادق رئيساً للوزراء، وكان من شأن تأييده لتلك المبادرة أن يغير مجرى تاريخ السودان .
وأخيراً لابد من ملاحظة أن المبادرة لم تحظ باهتمام إعلامي يعادل شخصية مقدمها على الرغم من الجهد الكبير والإعداد الجيد الذي قام به الأستاذ جمال عنقرة، والسبب في ذلك أن القوى السياسية المختلفة بما فيها الحزب الحاكم قد تملكتهم قناعة راسخة بأن الحلول لقضايا السودان لايمكن أن تأتي إلا من الخارج، وهذا هو أسوأ تجليات الأزمة السودانية .
صحيفة المشهد الآن
د. بدوي منقاش