والمتأمل اليوم ليس في كلام الحكومة أو المعارضة، بل في كلام كل المواطنين، بأنه كلام لا يقف على خط الصفر ـ أي كلام ساكت ـ وإنما يتخطى هذا الخط سلباً نحو الأسفل من الدرك أي الكذب الضار! وأعظم ذنب هو ذنب من يفتري على الله كذباً.
– فمن الأمور العادية اليوم، أن تصدق من يقول لك كلاماً، ثم تبني عليه بالسعي آمالاً، وعند الحصاد تكتشف بأن البذرة لم تكن بالكذب إلا أوهاماً. والطفل اليوم مع “البزازة” لا نرضعه إلا كذباً وحزازة، فالصدق بذرة، والكذب أيضاً بذرة لتنمو بصفار أو خدرة. كبر مقتأ عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
لقد كانت البنية الأساسية لدولة مترامية الأطراف، والتي أسس لها العبقري سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في سنوات تسع فقط إلا على أساس الصدق، حتى في العواطف الإنسانية فما بالك بالحياتية. وكان ينبغي علينا أن نسير على هدي خطوات هذا التأسيس العلمي السليم، ولكن!.
– أنظر لحالنا اليوم، في من يتشبث بأوهام السياسة إلى أرذل العمر، وأحياناً لمنتهاها، كما قررنا نسي الحبيب بورقيبة أن يظل رئيساً مدى الحياة! وكيف كان يحمل على دسر ألواح من الخشب لدست الحكم ومبتغاه! ولما نذهب بعيداً!.
فسياسيونا وفي وقت “مناسب” يعلنون عزوفهم عن الاستمرار والاعتزال، للتجديد بالشباب خشية زوال، وفي الوقت “المناسب” أيضاً يقول لك: ماذا أفعل بمطالب تختمر، وقد كرهت أن أستمر! والحكاية كلها مطبوخة ومعدة سلفاً قبل النضج على نار الجمر، ويصورها كمطلب شعبي كمطر منهمر! وما ذلك إلا بطبع رواسب الثقافة الفرعونية التي لم تزل تحكم سلوكنا اليومي، كزيارة المقابر في العيد وزيارة النيل لنبارك العروس بالجديد، وغير ذلك.
فالحكم إله لا ينبغي له أن يزول، بالاكراه أو عزول إلا بالموت ليحكم من عالم آخر مأمول، ولذا نزوده بالزواد بعد الأفول، وهو أمر ينطبق على رئيس القبيلة ورئيس الحزب ورئيس الطائفة وغيرهم، ولا لوم على النفس الملومة.
بل تجدنا نحن كآلهة صغيرة، كل يكتفي بما لديه من ضفيرة!.
– حلل أي اجتماع يزيد عن ثلاثة وإن بلغ الثلاثين، ستجد كل فرد فيه له رأي خاص به يختلف عن رأي الموضوع (العام)، وإن كان متفقاً عليه في مجتمعات أخرى، وستجد كل عضو يبدأ كلامه بعد (الأكلاشيه) قائلاً: أنا من رأيي ألا يكون الموضوع هكذا..، وإن تمخض الاجتماع عن رأي، تجد الآخرون يعملون ضده كراعي الغنم الذي يقول: عيّ.
إذن ماذا سيفعل الدستور وأحكامه إن كان لفترة أو فترتين! وإرثنا الحضاري هو الذي يرسم سلوكنا، فالرئيس في اي قطاع مقدس إن اعترض معترض أو أحدث.
وكما نقول لا بديل عن سكة الحديد إلا سكة الحديد، نقول أيضاَ لا بديل عن الرئيس إلا الرئيس! وليذهب الجديد إلى حيث يريد، والديمقراطية ما هي إلا اللعبة اللاهية،.
ما بين فجر وفجر!
أطلق الأستاذ الصادق المهدي ما اسماه بـ “الفجر الصادق” وكأن هنالك “فجر كاذب” وإن كان وهماً بترديد، ومن أدعى بـ “فجر جديد” وكأن هنالك قديم بصديد! و”تهويمات” الصحوة الإسلامية أو الجمهورية الإسلامية، ما هي إلا أفرع من شجرة المشروع الحضاري الملعونة بحكم التجربة لا بحكم دين الله لأرض خربة.
والفجر هو الفجر، لا يتغير ولا يتبدل ولا يتأخر أو يتقدم، فجر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فجر ليلة طرب وإلفة، إن كان بضرب الدفوف الذي يحض عليه في الفرح كالأعراس أو الحداء أو النصب – الحداء غناء للحطايا كي تجد في السير-، والنصب غناء الروح للترويح عن النفس كي لا تصدأ بفعل الغير.
إذ يطلب الصحابة (رضي الله عنهم) من الحادي أن يحدو! فيرد: أمع عمر أحد؟ أحد فإن نهاك فانتهي، وكذلك الأمر في النصب إلى بذوق السحر أي بدء الفجر، فيقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): كفوا هذه ساعة ذكر، فيا له من علماني إذ لكل مقام مقال!.
إذن فجر سيدنا عمر ثابت لا يتغير ولا يتبدل بذكر الله سبحانه، والاستعداد للسعي والكد لإرضائه جل شأنه. أما في استعجالنا لفجر جديد أو لفجر صادق أو كاذب أو نحو ذلك، فلأننا بطبعنا الحامي في عجلة من أمرنا الرامي، والاستعجال كمسلك الحرامي!.
أنظر للوقوف بمحبس السيارات بالضوء الأحمر مع الرقم 3 أو قبله تجدنا نتحرك بالسيارة بأمل الضوء الأخضر سندركه وفي الغالب لا ندركه إلا بعد اجتياز!.
أو أنظر في استعجنالنا بالزرع قبل موسم لنحصد عدمه! أو في عجالتنا بجلب الثمر إلى السوق قبل نضجه! ولذلك تجد المعارضة أيضاً في عجلة من أمرها بحثاً عن فجر يسقط النظام بأسرع كلام.
وأي نظام “فاسد” أشبه ما يكون بالتفاحة المعطوبة، إن عجلت سقوطها بيدك تسقط بجهد جهيد، وإن تركتها لقانون التحلل الرباني سنسقط من تلقاء نفسها بقانون الجاذبية! إذن لماذا العجلة في أمر كان مقضياً. إذ لا استطرد مع فساد، ذلك الفساد الذي أسقط الامبراطورية الرومانية، وغيرها من نظم ضربها الفساد وكانت هي القاضية.
وإن كنا نتفق تماماً معه بعدم اللجوء للعنف والعنف المضاد بطبعنا السلمي، لكن ألا يحق لنا أن نذكره وأنفسنا
ألم تنحاز القوات النظامية بكل أسلحتها لجانب الشعب في هبة أكتوبر وإنتفاضة أبريل؟ لسبب بسيط، إنها جزء لا يتجزأ من الشعب المغلوب؟.
ألا يكفي خروج شباب الحزب المنقسم على نفسه انقاساماً “أمبيبياً” بتوحد رؤياهم تحت لواء “الإصلاح والتنمية” وإعلان الدولة المدنية! أليسوا قطاعاً مقدراً من تلك القواعد؟.
السيد الصادق المهدي ليتك ألا تمالئ في أنك بشخصك جزء من المشكل لا من الحل!.
فالمواطن اليوم بعبر الماضي يقول: أأ خرج لاستبدال الأسوأ بالأسوأ والأسوأ منه!.
وكما أن الأمل والرجاء معقود على شباب هذا الوطن كشباب “السائحون” وكل شباب السودان بعد أن يستبين لهم برنامج الإصلاح والنهضة والدولة المدنية وقيادات التغيير بالاستعانة بالتكنوقراط المهمشين ملح هذه الأرض، الذين لم يتعاطوا كؤوس الفشل مع المحتسين المدمنين.
صدقني لا أمل ولا رجاء ينتظره الشعب للإصلاح والتغيير والتنمية بعد تجريب من قبل الأحزاب الأربع! إذ يكفي على يديها لحس الأصبع.
صحيفة المشهد الآن
[/JUSTIFY]