من الذي علق الجرس في رقبة البشير؟
كانت هنالك جماعة من الفئران تسكن في جحر صغير وكانت تخرج منه كل ليلة إلى المطبخ وتأكل ما تجده من بقايا الطعام. ولكن قط المنزل كان يهجم عليها فجأة ويخطف واحدا منها ويأكله. وبقيت الفئران على هذه الحالة مدة طويلة تعذبت كثيرا ونقص عدد كبير منها. وفي يوم من الأيام جمعها الفأر الكبير وقال لها: (يلزم أن نفكر في حيلة تنقذنا من عدونا القط!!).
وبعد تفكير طويل قفز الفأر الكبير إلى رف المطبخ، وصاح: (وجدت حيلة لطيفة..نأتي بجرس ونعلقه في رقبة القط، فإذا حضر بعد ذلك نسمع الجرس من بعيد فنهرب) فصفقت الفئران للفكرة الجميلة. خافت الفئران تنفيذ الفكرة فطلبت من الفار الكبير أن يعلق هو الجرس في رقبة القط، فقبل التكليف واستعد لذلك ولكنه عندما لمح القط آتيا ًمن بعيد خاف فرمى الجرس وهرب إلى الجحر وهو يرتعش. خرجت الفئران من الجحر بعد ذهاب القط والتفت حول الفأر الكبير وهي تضحك عليه، وتقول: (كيف هربت من القط وأنت كبيرنا وصاحب الفكرة؟) فخجل وأخذ الجرس وانصرف حزينا. أراد الفأر الكبير أن يداري خيبته، فرجع وقال: (أحسن شيء أن نهجم دفعة واحدة على القط). فلما جاء القط هجمت عليه الفئران ولكنه غلبها وخطف واحدا منها وأكله.
حزنت الفئران، وكان بينها فأر صغير ذكي اسمه (علعول) فقال: (ما رأيكم لو فرشنا الأرض بالصمغ، ووضعنا فوقها قطعة لحم، فإذا حضر القط لأخذ اللحم يلصق بالصمغ، فنستطيع تعليق الجرس في رقبته؟ فرحت الفئران بالحيلة المدهشة، وقامت في الحال تنفذها فدهنت الأرضية بالصمغ ووضعت عليها قطعة اللحم، ووقفت من بعيد تنتظر مجيء القط وهي مسرورة لأنه سيقع في الفخ. حضر القط ورأى قطعة اللحم فهجم عليها ليأكلها فلصقت أرجله بالصمغ فلم يقدر على الحركة، وانتهزت الفئران الفرصة فأحضرت الجرس، واقتربت من القط وقفز علعول فوق ظهره وعلق الجرس في رقبته.
علق علعول الجرس في رقبة القط…ووقفت الفئران تضحك من عدوها وهو يحاول التخلص من الصمغ. ومرت الأيام، وكان بعدها كلما تحرك علعول حركة دق الجرس دقات كثيرة، وهربت الفئران مسرورة من خيبة القط. أقامت الفئران حفلا لعلعول، زينت الفئران المطبخ بالأنوار والأعلام والأوراق الملونة، وأحضرت كثيرا من الطعام فأكلت وغنت ورقصت، وصفقت له من الفرح، وحملته على الأكتاف وسارت به وهي تصيح: (يعيش علعول الصغير، يعيش علعول المدهش، يعيش علعول الذكي!!!) وأصبح علعول الصغير بعد ذلك رئيسا على الفئراااااااان!!
– سيادة الرئيس البعض أبدى تخوفه من أن الجمهورية الثانية ملامحها تبدو كجمهورية طالبانية، متشددة في النواحي الدينية، وهنالك شواهد يمكن أن تؤكد ذلك؟
أولا نحن كحركة إسلامية حركة وسطية، نتحدث عن وحدة أهل القبلة…ونتحدث عن الفقه الواسع، نضع حدوده بين عزائم ابن عمر ورخص ابن عباس، فنحن حينما نتحدث عن السلفية نتحدث عن السلف الصالح في الخلافة الراشدة ولم نتحدث عن فلسفة مذهبية.
– لكن التيارات السلفية باتت قوية بالداخل، لاسيما أنها باتت تؤثر على اتخاذ القرار؟
التيار السلفي.. موجود ونشيط ولا خلاف بيننا في الجوهر.
– لا خلاف بينكم في الجوهر لكنكم تخضعون لابتزازه؟
لا.. نحن الآن لدينا علاقات مع هذه التيارات، فهي إلى الآن لا ينطبق عليها صفة (المتشددة).
رئيس الجمهورية عمر البشير يقول أنه سلفي في إطار الوسطية، أي إنه أو إنهم في وسط المدرج ما بين قطبين متطرفين على مدرج أو مقياس معين in a certain spectrum، نقطة ما بين القطبين، يتجنبون “شدائد” ابن عمر المفرطة (!؟)، ويتجنبون “رخص” ابن عباس التفريطية (وهذه ليست شيئا آخر سوى تحليل حبر الأمة الزواج المؤقت: يسمونها تورية برخص ابن عباس). السؤال هنا كيف أصبح رئيس الجمهورية ذو الخلفية العسكرية سلفيا يؤمن بمصطلح “السلف الصالح”؟ وما معنى قوله أنهم حركة وسطية؟ وكيف نفهم مصطلح السلف الصالح؟ وكيف نفسر أن المؤتمر الوطني منذ الانقسام تجاهل الشعب السوداني واحتقره، ولم يشركه في أية عملية اقتصادية، أو سياسية أو دينية؟ هل نفسر هذا الاحتقار على مقياس السياسة أم الدين أم العنصرية الجهوية؟ وهل يتناسب الجلوس في الوسط مع لا وسطية عصام أحمد البشير مع الدينار الكويتي؟ ألا تتناقض هذه الوسطية مع التطرف في حبس الشيخ الترابي، والغلو في عزل وإقصاء الشعب السوداني ومع نمو السلفية التكفيرية نموا ملحوظا؟ وأخيرا وليس آخر من هو الرجل الذي علق الجرس في رقبة البشير؟
نص الحوار أعلاه هو جزء مما قاله رئيس الجمهورية في حوار مع صحيفة السوداني. والسؤال الآن من هو أو من هم الذين خدعوا رئيس الجمهورية فقهيا أو دينيا ولقنوه معلومات مغلوطة عن “السلفية” و”السلف الصالح”، وكيف تم خداعه؟
هذه المقالة تعنى بهذه الخدعة وهي نقطة مفصلية في تاريخ السودان، وكذلك هي نقطة حيوية للمعارضة السياسية السودانية لكي تشخص الوضع السياسي القائم في السودان بكفاءة. إذا لم تفهم المعارضة السياسية الإشكالية الدينية بكفاءة، وجر أيها القارئ الكريم تحت كلمة بكفاءة مئة شخطة، فحتى لو انتصرت المعارضة بانتفاضة شعبية سيتحول نصرها ما بعد الانتفاضة إلى كارثة أي نصر القائد بيرهيك Pyrrhic Victory (لفهم هذا المصطلح العسكري السياسي يجب الرجوع للويكبيديا). لذا يجب أن يكون فك طلاسم المسالة الدينية أحد أدوات استنهاض الانتفاضة وشرطا قبل حدوث الانتفاضة، أي فضح الإيديولوجية الدينية القائمة التي يروج لها النظام!!
فمن عادةً النظم العربية السياسية السنية تاريخيا أن تكون شمولية بطبعها، وتعزى الشمولية السياسية بشكل أساسي إلى الرغبة في التستر على السقطات الدينية الكبرى في صدر تاريخ الإسلام وتاريخ المسلمين، فضلا عن نهب المال العام من قبل الخلفاء والسلاطين. تميل النظم العربية السياسية السنية عادة نحو الشمولية بالسيطرة على خمسة دوائر في الدولة بشكل خاص:
1. دائرة الآلة العسكرية: الجيش والشرطة والعسس، وأجهزة الأمن الخ لحماية رأس الدولة من تمرد الشعب أو خروج الشعب عليه،
2. دائرة المقروء والمسموع والمرئي: السيطرة على الصحافة والإعلام، والتلفزيون، والكتب، والتعليم، والمساجد، والثقافة، والأدبيات الدينية الخ
3. دائرة السياسة والاجتماع: منع قيام الأحزاب أو حل الأحزاب السياسية القائمة، والمنظمات المدنية، وقسر حزب الدولة إن وجد أو قسر مؤسسات السلطة الناطقة باسمها على الشعب،
4. دائرة الاقتصاد: نهب المال العام بالسيطرة على المؤسسات الاقتصادية، إلغاء استقلالية البنك المركزي، إلغاء الدور التخطيطي والرقابي للمالية، السيطرة على البنوك التجارية، الشركات، وإلغاء دور الشعب الرقابي الخ
5. دائرة تغليب أيديولوجية دينية منحولة: نظام الدولة الإسلامي السني بالضرورة التاريخية شمولي استبدادي، لا ينفتح على الدين أو التراث الإسلامي كله، بل يختار بشكل انتقائي ما يعجبه من التراث ويترك ما لا يعجبه، للتستر على السقطات الدينية الكبرى.
……………
المحصلة بالمجموع: تأله الدولة العربية واعتقال الدين بالسيطرة على المساجد، والمؤسسات الدينية، وتحديد ما يعطى للتلاميذ دينيا في المدارس سبقيا الخ وبهذه الكيفية الدينية تسهل السيطرة السياسية على الشعب المحكوم. وطبقا لهذا التحليل المبني على الملاحظة التاريخية، تصبح قضية غياب الحريات السياسية مشكلة متشابكة ومركبة ومعقدة، فمن جانب هنالك الشق السياسي الذي بتعلق باستحواذ الحاكم المستبد وبطانته الفاسدة على ثروات الشعب، ومن الجانب الآخر هنالك الشق الديني “الخفي” الذي يرغب شيوخ البلاط الحاكم التستر عليه خلف لافتة السياسة السلطانية.
لفك هذا المكون المعقد إذن على قوى المعارضة السياسية السودانية ألا تسقط في الفوضى الفكرية السياسية في خطابها السياسي إذا رغبت في إسقاط النظام السياسي الشمولي القائم. عليها أن تركز على هذه الدوائر الخمسة مع وضع أهمية خاصة على الدائرة الثانية في سلم الأولويات. فالدائرة الثانية لا تتعلق فقط بكيفية اختراق الحصار الإعلامي المضروب على الشعب السوداني، بل تتجاوزه إلى نقطة ذات أهمية خاصة…طبيعة محتوى الخطاب السياسي نفسه!! هل هو جيد أم سيئ، هل يوزع المعارضون المثقفون جهدهم الفكري بشكل متوازن على الدوائر الخمسة أم هم يدورون في فلك لغة متوحدة هي أشبه بالأكليشيهات المتوارثة!! وعلى سبيل المثال لا الحصر:
نجد أن مقالة الكاتب الصحفي صلاح عووضة: “هل الجيش لحماية السلطان أم الأوطان؟” هي مقالة ممتازة ومن المقالات القليلة التي في نوعها، أي في دائرتها، فالمعارضة السياسية أيضا يجب أن تخاطب القوات المسلحة السودانية ليس فقط بتذكيرها بانحياز الجيش المصري الوطني والمشير طنطاوي للشعب المصري، بل يجب أيضا شرح وفضح السلفية الحشوية للقوات المسلحة السودانية عند مخاطبتها، لأنها قد تم إعدادها عقائديا للدفاع عن مهمة “خاصة” وهي الدفاع عن مشروع الدولة الإسلامية، فأوهموها أنها في مهمة إلهية نبوية مقدسة…فكيف إذن تنحاز القوات المسلحة لهذا الشعب “العلماني”، بل “الكافر” في نظر السلفيين منهم؟ المشير سوار الذهب زار مدينة ميونيخ قبل انقلاب يونيو 1989م بأسبوعين، قال متفاخرا في ندوة صغيرة هيأها له المركز الإسلامي بميونيخ: قلت ليهم أقطع يدي دي وما ألغي قوانين سبتمبر…(مع عبارته مد يده اليمنى وأشار عليها بيده اليسرى وكأنه يقطعها)!! هذا هو سوار الذهب الذي لا يحسب على السلفيين وقتها والإنقاذ في رحم الغيب أسهل عليه أن يقطع يده!! فكيف يكون حال العسكريين الآن؟؟ قطعا يوزعون لهم كتب ابن تيمية مع الذخيرة!!
إذن حدوث الثورة أو الانتفاضة القادمة قد لا يتم عبر التصور التبسيطي الذي خبره جيل أكتوبر 1964م أو أبريل 1985م، فمع هذا النظام الزئبقي قد تطول جدا لحظة انطباق الأزمة الذاتية والموضوعية أو ربما قد لا يحدث الانطباق تلقائيا، وربما قد لا تقوم الثورة تلقائيا إلا بضربة من الحظ، وربما أغلق كل فرص الحظ أو هكذا تخيل له!! لكن هذه المرة على السودانيين بذل المزيد من الجهد الفكري والسياسي الخلاق،على الأقل لتقليص فترة انطباق الأزمتين ولكن ليس قبل الفهم الكفء عبر التشريح الدقيق والموضوعي لطبيعة هذا النظام وقوانينه الداخلية. وعلى هذا الفهم الكفء والدقيق يعمل الجميع نحو أهداف مدروسة. إذن هنالك حاجة إلى تكثيف الطاقة والجهد!!
عموما، لقد لاحظت إحصائيا أن القراء ينجذبون بشدة نحو المقالات أو الأعمدة التي تذم النظام القائم ذما مباشرا، ورغم أهمية الذم السياسي في إلهاب العاطف الجماهيرية لكنه يجب ألا يكون الذم هو لغة الخطاب الجماهيري الوحيدة، فعدم فهم الظاهرة السياسية التي ترغب في تفكيكها فهما علميا على مستوى التشخيص الجيد يشتت الطاقة والجهد اللازمين للتغيير المنشود. نذكر هنا أحد قوانين القوة “ركز قواك”، وهو قانون مهم في عالم السياسة، يقول:
Concentrate your Forces:
Conserve your forces and energies by keeping them concentrated at their strongest point. You gain more by finding a rich mine and mining it deeper, than by flitting from one shallow mine to another intensity defeats extensity every time. When looking for sources of power to elevate you, find the one key patron, the fat cow who will give you milk for a long time to come.
إذن توزيع الجهد وتركيزه على الدوائر الخمسة المذكورة أعلاه هو مطلوب بشده، وإذا اعتبرنا كل دائرة هي منجم غني ستصبح لدينا خمسة مناجم غنية، فالأفضل إذن أن نحفر في كل منجم على حدة إلى أعمق أعماقه بدلا من التشتت بالحفر في خمسين أو مائة منجم بشكل سطحي. بل أقترح إنشاء خمسة بلوقات five blogs جديدة، أي لكل دائرة بلوق blog من الخمسة دوائر المذكورة سابقا.
تتمحور عادة حول البلوق قبيلة لها ميول معينة فمثلا في الاقتصاد سنجد حول بلوق الاقتصاد قبيلة المتخصصين والمتعاطفين أو المهتمين بالقضية الاقتصادية – يركزون في بؤرة واحدة. ويمكنهم تشريح أي موضوع اقتصادي تحت البحث وحتى نخاع العظم. فمثلا على سبيل المثال لا الحصر في تقديري الشخصي، هنالك ظلال غامضة حول لماذا تم أبعاد كل من محافظ بنك السودان السابق الشيخ سيد أحمد الشيخ والدكتور عبد الرحيم حمدي من تكملة مشروع التحرير الاقتصادي؟ ولماذا تم استبدالهما بصابر محمد حسن 1993م ولاحقا بعابدة المهدي عبر شركة unicons..؟! هذه النقطة الغامضة ربما قد تفسر لماذا تحول الاقتصاد السوداني من اقتصاد حقيقي، وهكذا كان يجب أن يقوم وقتها، يعتمد على المنافسة الحرة والشريفة إلى اقتصاد ريعي وطفيلي!! لذا التركيز مثلا على الشيخ سيد أحمد الشيخ والدكتور عبد الرحيم حمدي عبر استنطاقهما عبر الحوارات الصحفية المدروسة قد يكشف ويفضح الكثير من طبيعة النظام القائم الذي ركل مبدأ إنقاذ الشعب السوداني اقتصاديا وهرول لإنقاذ نفسه ومنسوبيه!!
بالمثل البلوق الذي يحتضن دائرة المقروء والمسموع والمرئي سيشمل الإعلام والصحف والصحفيين، والتلفزيون، وإتحاد الصحافة، ومجلس الصحافة القومي، والتعليم الخ. يجب أن تناقش هذه الموضوعات بجدية واحترافية كافية في هذا البلوق. أعرف أن بعض الصحفيين أقاموا صفحات اسفيرية متخصصة ذات طابع نقابي للدفاع عن مهنة الصحافة وأصحابها، ولكننا هنا لسنا فقط معنيين بعمل نقابي، بل معنيين بالتفاعل الحي ما بين قبيلة الإعلاميين والشعب السوداني: حتى نفهم ماذا يقول القارئ في صحفه ويعبر عن رأيه في الصحافة والصحفيين!! أنا شخصيا قرأت من تعليقات القراء أكثر مما قرأت من مقالات صحفية على الصفحات العنكبوتية لأهميتها في قياس الرأي!!
فمثلا لم تعجبني على الإطلاق المظاهرة التي تقيمها طيبة برس أي ما تسمى بخيمة الصحفيين. فهذه المظاهرة لها أبعاد خفية وأبعد مما توحي به ظاهريا مثل التضامن الصحفي والزمالة الصحفية الخ، فهي ظاهرة مزيفة تلعب بكرتي الواقع والأوهام، لا شيء يجعلنا كأن نعتقد أن مؤسسات الأخ محمد لطيف منحازة للشعب السوداني، وقد يتحفنا الرجل المرة بعد المرة أنه ناقش البشير أو جالسه، وهو عديله، تماما مثل ما يفتخر إسحق أحمد فضل الله الذي يجلس مع رئيس الجمهورية في جلسة سمر، والبشير يكسر لهم الفول بالجبنة والطعمية!! فمظلة طيبة برس إذن لا تدخل الشك في نفوس الصحفيين في أهمية التغيير السياسي فحسب أو تحرك الغيرة في قلوب بعض الصحفيين فحسب، بل تمد طيبة برس بشكل أساسي حدود بصرها إلى أبعد من ذلك، فهي تطمح نحو دعم مالي أوروبي أو أمريكي مخصص للصحافة والحريات الخ، لذا ترغب طيبة برس بخفية كأن تكون الحاضنة لأكبر عدد من الصحفيين فكانت خيمة الصحفيين. وعند هذه النقطة نذكر الصحفيين بقانون القوة التالي:
Win through your actions, never through your arguments:
Any momentary triumph you think you have gained through argument is really Pyrrhic victory. The resentment and ill will you stir up is stronger and lasts longer than any momentary change of opinions. It is much more powerful to get others to agree with you through your actions, without saying a word. Demonstrate, do not explicate
ولأهمية هذا القانون نترجمه للقارئ الكريم: أنتصر عبر أفعالك، ومطلقا ليس عبر المجادلة:
(أي نصر ظرفي قد تعتقد أنك حصلت عليه عبر المجادلة فهو نصر أجوف سيعود عليك لاحقا بالخسارة. الحنق والنية المريضة التي يمكنك إثارتها عبر المجادلة في صدر خصمك هي أقوى وقد يستمران فترة أطول من أي تغيير لحظي للمواقف والأفكار. قد تكون أنت أكثر قوة عندما تجعل الآخرين يوافقونك عبر أفعالك بدون أن تتفوه بكلمة واحدة. استعرض (أفعالك)، ولا تشرح).
وبالاستعانة بهذا القانون، إذن ليس بالضرورة أن يدخل الصحفيون معركة ضد بعضهم البعض عبر المجادلة والردح الصحفي فيتمزق شملهم، وبشكل خاص ضد صحفيي السلطة!! فهذه طبقا للقانون أعلاه غير محبذة!! يكفي أن يعبر الصحفيون الديمقراطيون عن أنفسهم ورؤاهم عبر الأفعال، فبدلا من خيمة الصحفيين مثلا لماذا لا تتبنى صحيفة الراكوبة ما يسمى “براكوبة الصحفيين”..فيصبح لديهم راكوبة وخيمة وعلى جميع الصحفيين أن يختاروا بدون صرف كلام كثير إما الخيمة وإما الراكوبة!! هذا القانون أيضا ينطبق على إنشاء إتحاد حقيقي وديمقراطي للصحافيين موازيا لإتحاد الأستاذ تيتاوي!!
ملحوظة: نحن لم نظلم الصحافة والصحفيين، فكل الصحف الورقية هي حكومية مع استثناء أربعة صحف، كلها تعزف سيمفونية المؤتمر الوطني وتجيد الكذب بأسلوب يحسد عليه!! فلماذا يصمت الصحفيون عن هذه الحقيقة؟
وإذا تحدثنا عن دائرة تغليب أيديولوجية دينية منحولة سيطول بنا الحديث، ومع الأسف كلما كتبت في الدين أي عن خطر وانحراف السلفية الحشوية وبعدها عن دين محمد – وكشفت عورة هذه السلفية التي هي لا شيء سوى فرقة من فرق الخوارج في عصرنا الحديث، أزداد الاعتراض من بعض القراء!! وقد يكون الاعتراض ليس من السلفيين وحدهم فقط وهو الغالب، بل أيضا من بعض المسلمين التقليديين!! نقول هنا باختصار شديد لهؤلاء ولهؤلاء: أي شيء كتبته أنا عن الصحابة وغيرهم، فهو نقلا من المصادر والكتب السنية!! دعكم من خدعة تقديس الصحابة، فالصحابة نوعان، نصفهم يستحق المدح والتقدير ونصفهم يستحق الذم وحتى اللعن!! وأيضا ينطبق هذا القول على التابعين!! نحن لا نذم، بل نحن نفتح الكتب، نفتح الكتب، نفتح الكتب، ونقول لهم لقد تعودتم على جهلكم بهذه الكتب، وعودوكم على ألا تفتحوا الكتب!! فمثلا ما ليس معلوما للعامة والخاصة أن الخوارج أو السلفية الوهابية المعاصرة على لسان محمد صلى لله عليه وآله: هم كلاب النار!!
الطريف يقاتل سلفية الوهابية في هذه الأيام بحديث “هم كلاب النار” وينعتون به الاباضية، بينما هو حقا في السلفية الوهابية بصفتهم من الخوارج المتأخرة!! لقد أنطبق على الوهابيين صفة الخوارج بقول النبي (ص): سيماهم التحليق!! ولقد أجزم ذلك علماء الأمة الإسلامية بلا استثناء منذ خروج الوهابيين في بداية أمرهم، وأكدوا انطباق حديث النبي “سيماهم التحليق” على أفراخ محمد عبد الوهاب على أنهم خوارج، وحين أدرك محمد عبد الوهاب وأفراخه ذلك أبطلوا حلق شعر رؤوسهم!! لقد كتب علماء الأمة الإسلامية عند ظهور الوهابية وما بعده ما يزيد عن خمسمائة كتاب معتبر أين ذهبت هذه الكتب؟ الجواب: لقد اختفت بقوة أموال النفط. لذا كتبنا في إحدى مقالاتنا “أيمن الصياد..اسم على مسمى”، النص التالي:
(كثير من الأدباء، والمفكرين ومثلهم رجال الدين لا يفهمون أن أفكارهم ليست في الواقع أفكارهم، بل يمليها عليهم العصر أي العقدية التاريخية التي ينمون داخلها، وتقع المسؤولية التاريخية على من يصنع التاريخ، وفي هذه الحالة نشير إلى تلك الإمبراطوريات الإعلامية الخليجية، ومنظمات الدعوة (السلفية) الإسلامية المصدرة من دول الخليج، والسيطرة على المقروء عبر السيطرة على دور النشر في لبنان الخ).
كلما كتبت في القضية الدينية هاجمني بعض القراء المعارضين بقولهم: دعك من الدين وأحصر نفسك في السياسة بينما سب السلفية الحربية التكفيرية لشخصي بأقذع السباب هو متوقع ولا يعني لي شيئا ذا بال فكلما يتم فضح السلفية والسلفيين كلما ازدادت عصبيتها وسعارها!! عليك بقراءة مقالتي: السلفية (الحشوية) بين المصطلح والواقع. هذه المقالة تشرح مصطلح “السلف الصالح” بمنطق أهل السنة والجماعة، ولكن هذا المنطق فشل في أن يفسر لماذا تم إقصاء بعض الفرق الإسلامية، وأكثر وبالا أنه لم يصمد حين نعرف أن السلف الصالح نفسه كفر بعضهم بعضا. يقول كاتب المقالة: دكتور خضر محمد نبها:
(ولكن عندما نتأمل في المقصود من السلفية عند أعلام السلفيين نجدهم انتقائيين لأنهم يستثنون من السلف الصالح الخوارج والروافض والمرجئة، والجهميّة، والمعتزلة وسائر الفرق الضالة بنظرهم، ويحددونالسلف الصالح بـالأئمة الأربعة، والسفيانيين، والليث بن سعد، وابن مبارك النخعي، والبخاري، ومسلم وسائر أصحاب السنن. ولكن هذا التعريف للسلفية لا يستقيم، لأن من ذكروهم كان فيما بينهم خصومات إلى حد التكفير، فهذا الإمام أحمد بن حنبل يرى أن الإمام أبا حنيفة كان من المرجئة، والمرجئي ضال منحرف ومبتدع، وقد كفّرته باقي الفرق، وهو (أي أبو حنيفة) يقول بخلق القرآن، وكل من يقول بخلق القرآن فهو جهمي، وكل جهمي في نظر الحنابلة وإمامهم كافر).
إليك المقالة كاملة:
http://sudanyiat.net/vb/showthread.phpt=801 http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-11104.htmفهل ثمة إذن علاقة ما بين السياسة والدين..؟؟ اللهم نعم. مع تطور الحركة السياسية في السودان بدءا من الستينيات يخرج المحلل السياسي إذا توفرت له المعطيات الجيدة برؤية جلية واضحة أن أس الصراع على السلطة السودانية منذئذ وحتى هذا اليوم هو صراع ديني مغلف بالسياسة، ولكن هذه الحقيقة سقطت من الذاكرة الجمعية للسودانيين من جيلي، بينما الأجيال الشابة تجهل هذه الحقيقة الموضوعية. أضف إلى ذلك كله جهل القوى الحديثة بالدين وبالإشكالية الدينية، رغم أنني أفضل كلمة “تجهيلها” عوضا عن كلمة “جهل”. فالقوى الحديثة يتم تجهيلها بالدين عن عمد عندما يطلقون عليها لفظة “العلمانيين” لعزلهم في ركن قصي، لأن القوى الحديثة الأكثر تأهيلا منهجيا وعلميا لتفكيك طلاسم الإشكالية الدينية عبر البحوث الحقيقية وليست تلك الجزافية. فمثلا صحفي مصري أسمه إسلام بحيري يثبت عبر البحث العلمي بشكل لا يقبل الدحض أن النبي (ص) بنى على السيدة عائشة وهي ذات ثمانية عشرة عاما وليست تسعة كما ذكر البخاري، وبذلك سجل نقطة على صحيح البخاري بعد 1176 سنة!! ومن حقنا أن نسأل ماذا كان يفعل رجال الدين في هذه المدة الطويلة؟
ويدخل ضمن هذا التجهيل بالدين أيضا المجتمع المسلم التقليدي العريض بل بالأحرى يمكننا الجزم أن هنالك خدعة دينية أموية عمرها أربعة عشرة قرنا وأن هذه الخدعة الأموية الدينية مستمرة. فهذا الصراع الديني السياسي في السودان منذ الستينيات ليس صراعا سودانيا “وطنيا” محضا وإلا لكشف السودانيون هذه الخدعة الأموية لو تركوا في حالهم، غير أن الدعم السخي الذي توفره دول الخليج لاستمرارية هذه الخدعة خاصة السعودية، يعرقل من عملية الاكتشاف. وإن قلنا أن دول الخليج هي التي تدير الصراع الديني السياسي في السودان ومن البعد، وفي الإقليم العربي، لا نكون قد تجاوزنا الحقيقة قيد أنملة.
من المعطيات المعرفية الجيدة لصالح المعارضة السياسية – أي لإنعاش الذاكرة السياسية الجمعية للمعارضة، عليها أن تقرأ كتاب الأستاذ الكاتب الصحفي أبو أحمد (خالد عبد الله) الذي لم ينشره بعد، وقد أهداني مسودة هذا الكتاب ويدور حول الشيخ حسن الترابي وحول شخوص الإسلاميين في دائرته، يستعرضهم جميعا في نطاقهم وفي صراعهم مع بقية الأحزاب وفي فترة تاريخية مبكرة جدا مع سرد وتحليل سياسي ممتاز. وهدف الأستاذ أبو أحمد من إهداء المسودة لشخصي أن أقيم معه الكتاب والاستفادة منه، وأجزم أنه كتاب ممتاز، بل كتاب مهم، وقراءته ضرورة لا غنى عنها للسياسيين الجادين الذين يرغبون أن يشار إليهم كمحللين سياسيين. لذا نشجعه كأن ينقح كتابه ويجوده وينشره بأسرع فرصة، ولو على مستوى الإنترنيت.
أما كيف علقوا الجرس في عنق رئيس الجمهورية عمر البشير؟ للإجابة على هذا السؤال عليكم بالتوجه للمقالة الثانية.
شوقي إبراهيم عثمان
كاتب ومحلل سياسي
[email]shawgio@hotmail.com[/email]