المنحة التي تبخرت كخيط دخان وفشل المراجع العام في تتبعها، وردت في حسابات المنح والقروض في وزارة المالية كأحد الاعمال التي قامت بها وزارة التعاون الدولي السابقة، ولكنها ظلت مجهولة النسب، فلم تتبين الجهات التي منحتها للسودان، ولم يعرف حتى الآن اوجه صرف هذه المبالغ ومن المسؤول عن صرفها؟ كما جاء في التقرير الرسمي.
ويذكر أن تقرير المراجع العام لسنة 2012م قد كشف عن تجاوزات في المنح والقروض بسحب وزارة التعاون الدولي مبلغ «721» مليون من منحة مجهولة الجهة واوجه صرفها، علاوة على منحتين قطرية وجزائرية لم تظهرا بالحساب الختامي، ولا يوجد ما يفيد بأوجه صرفها ــ أي المنحة ــ فى وزارة المالية.
«الصحافة» حاولت استنطاق الجهات ذات الصلة بالأمر ومسؤولين سابقين في وزارة التعاون الدولي، وتحدثنا الى المستشار الاقتصادى الاسبق بسفارة السودان ببروكسل أحمد حسين الذي شرح الجوانب الفنية وكيفية التعامل مع المانحين، وأوضح أن وزارة التعاون الدولى ليست لها حسابات خاصة تورد فيها المنح او القروض، انما تدخل فى حسابات مالية خاصة فى ادارة تعرف بادارة حسابات المنح والقروض بوزارة المالية، وينحصر دور وزارة التعاون الدولى في الاعمال التنسيقية والمفاوضات بين السودان والمانحين، وفى الغالب يكون تنفيذ المشروعات التى يتم الاتفاق عليها بواسطة منظمات دولية او وطنية طوعية او باشرافها، ومازالت هنالك فجوة بين المانحين والحكومة السودانية.
ويضيف حسين قائلاً: أما بخصوص المنحة المجهولة التي ذكرها تقرير المراجع العام، فقد اجرينا بحثاً حول ما ورد، ورجعنا الى الشخص الذى قام بالمراجعة، واتضح أنه جمع المعلومات من وزارة المالية من ادارة حسابات المنح والقروض ولم يرجع الى وزارة التعاون الدولى، ولذلك لم تكن لديه معلومات متكاملة حول الجهات الاخرى وفقاً لعمليات التنسيق بالتعاون الدولى، وهنالك ادارة مختصة بالتعاون الدولى تسمى التعاون الثنائى، وهى التى تقوم بعملية التنسيق مع الدول.
وتوفرت لـ «الصحافة» مؤشرات بأن المنحة جاءت من دولة الكويت، فعمدت الصحيفة للاستفسار عن صحة المعلومة من احد الادرايين الذين كانوا يعملون بادارة التعاون الثنائي بالوزارة السابقة، واتصلنا هاتفياً بالطاهر إيدام أحد الإداريين فى القسم العربى وسألناه عن طبيعة المنح وكيف يتم ادراجها، وهل قدمت وزارة التعاون الدولى فى ذلك الوقت تصوراً لمشروعات بدولة الكويت، وما هي قيمة المبالغ تحديداً؟ وهل تم منح السودان تلك المبالغ بواسطة التعاون الدولى؟ فقال: «إن وزارة التعاون الدولي لم يكن لها تعامل مالى اطلاقاً، ونحن كنا جزءاً من لجان وزارية»، وتنحصر مهامهم فى عمليات تنسيق هذه اللجان وترتيب عمليات التفاوض، ولم يكن بينهم وبين الكويت سوى لجنة وزارية واحدة برئاسة وزير المالية، ولم تتقدم وزارة التعاون الدولى بأية تصورات لمشروعات من جانبها للحصول على منح من دولة الكويت.
ويستمر البحث عن الجهة التي اعطت المنحة للسودان والجهات التي استفادت منها، ولجنة الحسبة بالبرلمان باعتبارها الجهة الرقابية والمسؤولة عن مراقبة الاداء المالي ويقدم لها تقرير المراجع العام لإجازته والتوجيه باتخاذ الإجراءات الخاصة به، فقد توجهت إليها «الصحافة» لايجاد اجابات كان من المفترض ان تكون بحوزتها، ولكن يبدو ان اللجنة مازالت في رحلة البحث ايضا عن المبلغ المجهول والجهات المجهولة، حيث قصدنا مقر البرلمان ليومين متتالين للحديث الى رئيسها الفاتح عز الدين، وفي اليوم الاول وجدناه خارج مكتبه، وحين طلبنا من سكرتيرته أن تملكنا رقم هاتفه الجوال رفضت، فغادرنا دون افادة، وحصلنا على هاتفه بطريقة خاصة وهاتفناه فلم يرد علينا، وفي اليوم الثاني هاتفنا سكرتيرته التي وعدت بتحديد موعد معه، وطلبت عشر دقائق فقط لتؤكد لنا ذلك، ولكنها لم تتصل، وبعد ذلك توجهنا نحو البرلمان للمرة الثانية، وكان رئيس اللجنة موجوداً حينها، فدخلنا عليه واخبرناه بهويتنا ولكنه فاجأنا قائلاً: «أنا ما فاضي!» قبل أن نسأله وربما كان على علم مسبق بالموضوع الذي نريد الاستفسار عنه.
وبرر رئيس لجنة الحسبة بالبرلمان رفضه الحديث بمشغوليته، ووقتها طلبنا منه ان يرد على مهاتفاتنا فوافق!! وخرجنا على امل ان نحصل منه على افادة لاحقاً، وظللنا نهاتفه طوال اليوم، ولكن يبدو ان رئيس اللجنة لديه ما يمنعه من الحديث في هذه القضية التي تشغل الرأي العام هذه الايام.
تحقيق: أمين ــ هويداــ هند
صحيفة الصحافة [/JUSTIFY]