لكن الأهم في خطاب البشير، ما قاله صراحة عن مرحلة جديدة ستشهدها البلاد، باجتراح مسار جديد في الحياة السياسية، وأجملها في عبارات واضحة ومحددة لا لبس فيها ولا غموض، فقد أكد على:
«حوار جامع يؤكد القواسم المشتركة الرابطة بين أبناء الوطن، ويقدم المصلحة الوطنية على أية اعتبارات أخرى، ويسهم في تحقيق معالجة كلية للقضايا ترضي عامة أهل السودان، وتحفظ أمنه واستقراره، ويمهد الطريق للتوافق والتراضي حول دستور جديد للبلاد.
وقد جاءت استجابة القوى السياسية لمبادرتنا تلك، استجابةً موجبةً ومشجعةً، مؤكدةً أن أبناء الوطن دائماً يلبون نداء الوطن، مثل ما تبدّى من شعورٍ وطنيٍ رفيع، وقت العدوان على هجليج واليرموك».
وكان البشير وهو يمد يده للجميع يعطي إشارات ذات مغزى عميق ويمد اليد لكل المخالفين والخصوم السياسيين، ليفتحوا معاً صفحة جديدة، تقفز بالبلاد للضفة الأخرى، وحرص على ألا يكون ذلك مجرد شعارات وعبارات تطلق للاستهلاك السياسي، فأعطى معطيات ملموسة وبادر بإجراءات محسوسة ننقلها بالنص:
«نؤكد أننا سنمضي في الاتصالات مع القوى السياسية والاجتماعية كافة، دون عزلٍ أو استثناءٍ لأحد، بما في ذلك المجموعات التي تحمل السلاح، وقد كفلنا مناخ الحريات وتأمين حرية التعبير للأفراد والجماعات، وتأكيداً لذلك فإننا نعلن قرارنا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ونجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكل القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار. والشكر مبذول للقوى التي سارعت نحو الحوار الذي نريده حواراً للجميع، فالسودان وطن يسع الجميع، بثقافته وتنوعه وتاريخه ومستقبله».
هذه الروح الجديدة التي تتصل مع دعوات سابقة للحكومة وهي تعلن أكثر من مرة رغبتها في الحوار وتحقيق السلام في البلاد وطي صفحات الحرب والاقتتال وإنهاء التنازع السياسي، يجب أن تستمر هذه الروح حتى تزول جدر الخصام وحواجز النفور وفتح الطريق نحو لم الشمل الوطني وإزالة كل الحواجز التي كانت تمنع التلاقي الوطني حول القواسم الوطنية المشتركة.
وحسناً فعل الرئيس بقراره الجريء بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين من كوادر أحزاب المعارضة، وحتى أولئك الذين وقعوا على وثيقة ما يسمى «الفجر الجديد»، فمثل هذه البادرة تمهد الطريق لإطلاق عملية سياسية جادة وفاعلة تجعل الجميع يتوافق على الدستور القادم وعلى أسس ومبادئ التبادل السلمي للسطة وحل الخلافات العميقة بالحوار والمجادلة السياسية وبالتي هي أحسن، وما أحوج السودان لهذه الروح اليوم.
قمة المسؤولية الوطنية أن تنتبه القيادة إلى أهمية تقريب المسافات بين المكونات الوطنية والأحزاب السياسية، وغسل النفوس من الضغائن والإحن وتصفية ما يعلق بالنفوس من مرارات، فمن واجب القوى المعارضة أن ترد التحية بمثلها أو بأحسن منها وتقبل على الحوار الجامع ولا تتخلف عن نقاش الدستور والمشاركة فيه، والإسهام في ترسيخ مبدأ التفاهم والتداول السلمي للسلطة وتكريس واقع السلام والطمأنينة والأمن والأمان، فلن ينصلح حال هذه البلاد إلا بالوفاق والتسامح وإبعاد لغة السلاح والمواجهات والصدام والحرب، وفتح نافذة للضياء والعفو والتنافس الشريف.. فقد شبعت بلادنا من كل أنواع الشقاق والافتراق.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة [/JUSTIFY]