[JUSTIFY]
تقول الطرفة إن أحد المستثمرين الخليجيين ظل ينتظر المسؤول الكبير لإتمام عمله الاستثماري لمدة ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع تم الاجتماع ونظر المسؤول إلى الأوراق التي أمامه وعلق قائلاً «حقى وين؟»، فردَّ عليه المستثمر «عمرة مقبولة» فابتسم الطرفان وتمت الصفقة، وقبل فترة قصيرة كانت مجالس المدينة تتناقل وبصوت عال أن مسؤولاً سودانيًا كبيرًا قبض «7» ملايين دولار بعد أن قام بـ «تسهيلات» لإتمام إحدى الصفقات طرفها مستثمرون أجانب وتم اعتبارها أكبر عملية «كوميشن» في تاريخ السودان. و لعلَّ الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام «السبت» الماضي حول «الرشاوي» التي يتلقاها الموظفون من المستثمرين فتح الباب واسعًا أمام التكهنات بصحة الحديث عن تلك الصفقات الاستثمارية التي تحوم حولها الكثير من الشهبات التي تنذر بالخطر الذي حذر منه وزير الاستثمار د. مصطفى إسماعيل، في سياق المعوِّقات «الثلاثينية» التي تجابه العمل الاستثماري وتطلبت مراجعات شاملة لقوانين الاستثمار بالبلاد، من بينها مكافحة كل أشكال الفساد والرشاوي، وكشف إسماعيل قبل مشاركته في المؤتمر الاستثماري السعودي السوداني الذي يجري التحضير له هذه الأيام لقيامه بالعاصمة السعودية الرياض منتصف أبريل المقبل عن «31» من المعوِّقات بعضها قانونية حُسمت من خلال القانون الجديد وأخرى إدارية تم حسمها من خلال إنشاء نافذة موحدة للإجراءات وأخرى تتعلق بتضارب القرارات بين المركز والولايات والأراضي والتي ستتم معالجتها بواسطة المجلس الأعلى للاستثمار الذي يرأسه رئيس الجمهورية وعضوية كبار المسؤولين في الدولة، إلا أنه استدرك قائلا «لا نستطيع أن نقول إننا عالجنا كل المعوقات ولكننا متفائلون خاصة بعد الاتفاق الأخير الذي تم بين حكومة السودان ودولة الجنوب في أديس أبابا وقد بدأ الاقتصاد السوداني يستعيد عافيته» وأشار إلى أن القانون الجديد يعالج كل أوجه القصور في القانون السابق ويشتمل على العديد من السمات التي تحقق طفرة نوعية في إدارة العملية الاستثمارية بالبلاد واعتمد القانون على نظام النافذة الواحدة «الشباك» لتسهيل إجراءات المستثمرين والقضاء على مشكلات البيروقراطية فضلاً عن إنشاء نيابات ومحاكم متخصصة للنظر والفصل في قضايا الاستثمار مع التزام السودان بكل الاتفاقيات الإقليمية والدولية لفض نزاعات الاستثمار، وبرر خطوة إنشاء النيابات والمحاكم المتخصصة بأن السودان كثيرًا ما يصنَّف في ذيل قائمة الدول في إنفاذ العقود وذلك لطول فترة الإجراءات التي يستغرقها الفصل في القضايا المدنية والتي غالبًا ما تكون حول ملكية الأرض، مؤكدًا أن المستثمر المحلي سيتمتع بذات الامتيازات التي يتمتع بها المستثمر الأجنبي في القانون الجديد، وكان قد صدر في أغسطس من عام «2010م» قرار جمهوري بإعادة إنشاء وتكوين المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية نوابه و وزراء المالية والاقتصاد الوطني وعدد من الوزرات الحكومية والهيئة الفاعلة وذات الصلة بمجال العمل الاستثماري، وحدد القرار وضع الموجِّهات وفق الخريطة الاستثمارية والإشراف على إزالة معوقات الاستثمار، إلا أن الرشاوي التي تندرج تحت مسميات كثيرة تمثل «الغول» الجديد و«الشبح» الذي يعوق سير العملية الاستثمارية في مسارها الصحيح، ومع التأكيد أن المجلس الأعلى للاستثمار قد يعمل لمكافحة كل أشكال الفساد بكل قوة لضمان نجاح المشروع القومي لتحقيق النمو الاقتصادي بالبلاد، يظل السؤال الذي يفرض نفسه بقوة يدور حول قدرة الجهات السؤولة على مواجهة «الرشوة» التي أفسدت بالطبع كل جوانب الحياة لا سيما الخدمة المدنية ومثلت رأس الرمح في وصولها إلى المربع الحالي، وحتى يومنا هذا فإن وضع اللبنات الأولى لبناء أو تشييـد أغلب المشروعات الاستثمارية يظل علامة فارقة بين القول والفعل في ملامسة تلك المشروعات لأرض الواقع وكسر حلقة المعوقات الاستثمارية بالبلاد والخروج من عنق الزجاجة وإلا فلماذا تأخرت شركات الاسـتثمار الأجنبية التي جاءت لتنفيذ عقوداتها مع السودان في تشييـد بناء المباني والمصانع بحـسب الاتفاق المبرم بين هذه الشركات والحكومة منذ سنين طويلة، وحتى تكون تلك القرارات والقوانين مجدية في تحقيق أهدافها، يجب تفعيل التعامل عبر «شباك» الاستثمار بآليات اكثر حزمًا للحد من ظاهرة التسلل عبر عدد من النوافذ تفاديًا لأي إجراءات بديلة تفرضها «الرشاوي».
صحيفة الإنتباهة
سيف الدين أحمد
[/JUSTIFY]