ولم يجد قادة المؤتمر الوطني والأحزاب السياسية المعارضة والمتعارضة، وجهات في الداخل والخارج، مسألة يلوكونها صباح مساء، يستنشقونها ويتنفسونها، مثل وراثة كرسي البشير أو تثبيته مرة أخرى عليه، وكأن هذه القضية خطب فادح وحدث جلل!!
ولا تجدن صحيفة ولا مجلس ولا فضاء ولا شغل شاغل، إلا وكان هذا الموضوع هو الأراس والأبرز في النقاشات السياسية وأحاديث المجالس، بالرغم من أن مثل هذه القضايا طبيعية ينبغي ألا يكون فيها الخلاف كبيراً ولا الهم يبلغ مبلغ السيل عندما يناطح الزبى.
تجديد رئاسة البشير للدولة وفق مقتضيات القانون والدستور، مسألة تختلف في إطارها المحدد، عن رغبة البشير الشخصية وزهده في التجديد له، وليست هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها حرصه على مغادرة موقعه بعد ربع قرن من الزمان يبلغها بانتهاء دورته الحالية رئيساً للبلاد.
فرغبته الشخصية وحرصه على الذهاب، أهم بكثير من اصطراع الأقوال والتفسيرات والـتأويلات، فصاحب القول الفصل موجود قال كلمته ومشى بعيداً عن دائرة النار التي أشعلتها تصريحاته، ينام ملء جفونه عن شواردها ويسهر قادة المؤتمر الوطني حولها ويختصمون!!
ومن عجب أنني وجدت الأستاذ جابر الحرمي رئيس تحرير صحيفة «الشرق» القطرية قبل أيام قليلة في مقر صحيفته بالدوحة، كثير الاستغراب مندهشاً يفغر فاه، للضجة الكبرى التي أثارها حواره مع الرئيس البشير والدنيا التي قامت في السودان ولم تقعد بعد.. وليته علم أية أهمية يوليها كل المشتغلين بالسياسة في بلادنا لعملية انتقال السلطة في ظل الظروف الراهنة التي بلغت حالة الفوران ذروتها في كل شيء!!
فالانقسام صار حاداً وبشكل عمودي بين من يؤيدون بقاء الرئيس بقوة ومن يتوقعون ترجله بسرعة عقب انقضاء دورته الحالية، ليس هناك طرف ثالث ولا طريق آخر.. الكل إما مع بقاء البشير أو البحث عن خليفة له.
ونسي كل المتحدثين عن هذا الموضوع والمعلقين عليه، أن ظروفاً وعوامل متداخلة ومختلفة متعارضة تتضافر بتبعاتها وظلالها على هذا الموضوع وتتحكم في مساراته، فالمطلوب داخلياً والمراد خارجياً، أن يأتي كل بدفوعه في هذه القضية التي لم تعد هماً للسودانيين فقط، فرؤوس كثيرة تدور مع اتجاهات ما يتحدث الناس عنه في الخرطوم بشأن مستقبل الحكم وكرسي الرئاسة.
ولذلك فالجدل حول الدستور والقانون لا مكان له، فالتقديرات السياسية ومطلوبها الداخلي وموازنتها وما ينعكس على الخارج، هو الأهم في هذه اللحظة، فعدة لاعبين يلعبون على حبال اللعبة السياسية الجارية، وكل يريد تحقيق مقصد لازم البلوغ وهدف رهن التسديد، وليست هناك جوازم تلقى على الجمل الفعلية في ما يجري هذه الأيام من أقوال!! هناك من يرهن الاستقرار السياسي والأمن والحفاظ على النظام معافى وسليماً من أية جائحة أو انقسامات ببقاء الرئيس لدورة قادمة، باعتبار أنه ضمانة لذلك، وفي مقدمتها القوات المسلحة، بينما يؤكد فريق آخر أن الدستور والقانون وصلاح التجربة السياسية واستدامتها ونضجها، يستلزم التداول السلمي لكرسي الرئاسة وانتقاله بسلاسة من شخص لآخر وفق أحكام الدستور وقطعياته حتى تتأسس تجربة سليمة تدفع بالبلاد نحو آفاق تتطور وترتقي فيها الممارسة السياسية.. وتسلس وتنقاد السلطة بموجب القانون والدستور.
هذه القضية تأخذ لب الاهتمام السياسي، إلا أنها عادية لو تركها الناس تأخذ مسارها الطبيعي، حتى لا يفهم الرأي العام أنها صراع تيارات ومراكز قوى داخل المؤتمر الوطني، أو تعطي صورة غير دقيقة لحقيقة الجدل الدائر.. ونخشى أن يفاجئ الرئيس البشير الجميع بموقف غير متوقع!!
صحيفة الإنتباهة