عبير زين : الفساد الغِذائي .. إنعدامُ الرقابة أم موتُ الضمير؟

تعددت أنواع الفساد وتمددت حتى صار لها ألفُ ذِراع يلُفنا من كل جانب، فمع انتشار الفساد السياسي والاقتصادي و الاجتماعي الذى تكاد لا تبرأ منه أي مؤسسة برز كذلك الفساد الغِذائي الذى هو أشدّ خطراً على المواطنين البُسطاء لأنه يمس حياتهم ومناطق نبضهم المُباشر، هو أمرُ مُقلق حتى لؤلائك غير العابئين بالصخب والجدل الدائر حو…لهم من قضايا سياسة وإجتماعية وإقتصادية لأنه يضرب فى العصب الحي ويهدد صحتهم بشكل مُباشر مما قد يودي بِهم إلى أزقة العلاج فى مستشفيات لا يخلو شبرٍ منها من فساد إدارى وطبي و كله يصبُ فى معين ( دولة الفساد).

الغِش يطالُ العديد من الأصناف الغذائية، بل إنه يكاد يمتزجُ بكل ما نأكله أو نشربه حتى أصبح يجري فى عروق الفقراء و ذوو الدخل العاثر الذين لا يتخيلون أبداً أن هنالك من يدُس لهم سُماً زُعافاً فيما يأكلون ويشربون ليجني الرِبح السريع على رُفات صِحتهم، فالفساد الغذائي يبدأ بشربة الماء الملوث ومياه الصحة أيضاً ليست آمنة ولا نفية ولا بريئة تماماً فبعضها ملوث وتكاد تكون أكثر خطورة من مياه الحنفيات، ويمرُ الفساد بالحليب الذي من المُفترض أن تكون عملية ليس فيها أى تدخل كيميائي ولا أى إضافات ولا يتعدى أن يكون الإنسان فيها مُجرد وسيط ومُحفز لعملية ميكانيكية طبيعية وهي عملية (حلبْ) الأبقار، ولكن تطورت العملية لتشمل مرحلة تسميم الحليب وهي المرحلة التي يُضاف فيها إلى الحليب مواد على شاكلة الفورملين والبنسلين حتى يزيد عمره ولا يتخثر (و ياللسخرية أن بعض المواد المُضافة إلى الحليب تُستخدم فى تحنيط الجثث!!) والأشدُ خطورة أن الذين يضعون تلك السُمِّيات على الحليب لا يعلمون مدى خطورتها بل يضعونها بغرض إبقاء الحليب ساعات طويلة دون أن يفسد!

ولا ينتهي الفساد والغِش عِند هذا الحد بل يطال رغيف الخبز الذى تُضاف اليه بعضُ المواد كمادة برومات البوتاسيوم التى تُعدُ سبباً مُباشراً للإصابة بالسرطان فنأكله شهياً مُشبعاً ليتسرب مرضاً إلى أجسادنا، أما فى إطار اللحوم فحدث ولا حرج! فالمستهلك البسيط قد لا يُفرق بين لحم الحمار ولم الضأن لأنه لا يتوقع أبداً أن يصل الغش إلى هذه الدرجة، وآخر قِصص الفساد في اللحوم الداجنة كان مسرحها مزرعة للدواجن بالخرطوم تبيع الفراخ النافقة على أنها ذِبحُ حلال!

ولن ننسي تلك الفترة التى تفشت فيها ظاهرة بيوض الدجاج الملوثة بالديوكسين فقاطع المواطنين الدجاج و (إبنائه) وإلتفتوا الى الدكوة والطماطم والتى بالطبع لا تخلو من تلوث وفساد فكثيرُ من الخضروات تنمو متورمةً بإضافة المواد العضوية إليها حتى تتضخم وتأخذ شكلاً مُغرياً يحملُ بداخلة الموت الزؤام.

ويأتي التزوير مُكملاً لمسلسل الفساد والغِش الغذائي الذي تطول حلقاتِه المُملة، فتتزور تواريخ الصلاحية للمواد الغذائية وتفلت مِن قبضة الرقابة وتصل إلى المُستهلك وتُباع على أنها لا زالت سارية، فقد بدأ قانون الرقابة الغِذائية مشروعاً مُنذ العام 1973م ولم يُحدّث حتى الآن؟ ورغم أن القانون الجِنائى قد إحتوى بنوداً تكفلُ الرقابة الغِذائية ويُحاكم مُرتكبيها كمجرمين إلا أن هذا لم يعد يكفي لردع الظاهرة فلا زالَ المجال فضفاضاً ومصدراً للعبث.

لم نعدّ ندري من نُخاطب؟ وممن نستوثق؟ وبمن نستجير؟ بالضمير الذى أثقلته الأسقام فمات دون أن تُقام له سُرادق عزاء؟ أم الجِهات الرقابية التى تنامُ قريرة العين تاركةً حبل الفساد على غارب المُفسدين؟ وأين القانون الذى يقطعُ بسيفِ من عدل؟ و من سيقوم بتهدئة روع المواطن البسيط حتى يأكل ويشرب وهو مطمئن أنه لا يتجرع سُماً؟

همسات – عبير زين
[email]Abeer.zain@hotmail.com[/email]

Exit mobile version