الجمعة قبل الماضية في مسجد (أركويت) حدث موقف مؤثر للغاية …
بعد الصلاة مباشرة… قام رجلاً كهل يتوكأ على عصاه العتيقة في صبر وكأنه يؤمنها ما تبقى من حياته حاملاً معها عشرة جنيهات :
ساعدوني الله يخليكم عاوز حق الغدا… والله والله ما عندي غير العشرة جنيه دي عشان أولادي في البيت ..
كان الرجل الكهل يقف في وسط المسجد على بعد هنيهات من محرابه عندما قاطعه فجأه صوت طفل يبكي بالقرب من أحد الأعمدة التي تحمل قبة المسجد، أي على بعد خطوات من الكهل …
التفت الجميع للصوت فوجدوا أباً يحمل ابنه الصغير، وهو مغلوب على أمره يستجدي الناس، هذا الابن كان بقايا طفل …
أو بقايا إنسان …
أو قل بقايا جسد …
طفل ضئيل الحجم ذو بنية هشة بساق واحدة والثانية تجاهد لتصبح ساقاً، مع ذلك الكم المقدر من (الشاش) الذي يحويها تماما ..
كانت حالة الطفل تنبئ بأنه يعاني مرضاً خطيراً، وتلك العينين الصغيرتين تكافحان لتؤكد أنهما لا تزالان قادرتان على الإبصار مع ذاك الجفن المرتمي عليها كوسادة قديمة …
فوجود ساق مبتورة في طفل وأخرى ملفوفة أمر سيء .
تحدث الأب المغلوب على أمره :
يا خوانا زي ما انتو شايفين … ولدي رجلو قطعوها الدكاترة لأنها انتهت كلو كلو … واسع الرجل التانية بدت تمرض … عاوز ألحقا قبل ما ….
صمت قليلا ثم نظر لصغيره بين يديه، وقال :
ساعدوني يا جماعة أنا والله ما عندي حق العلاج… و الروشتة حقت الحكيم معاي ومعاها تلات ورقات حقت أشعة غالية خلاص، والله وما بقدر عليها …..
كان يبدو أنه يريد سرد معاناتهُ أكثر ….ما استطاع أن يكمل …
جلس الأب أرضاً وبكى
هنا حدث شيء ما لم أره قط من قبل ..
شيء قل أن يحدث في هذا الزمان …
فما أن أكمل الأب كلماته … حتى تحرك فجأة ذاك الرجل الكهل من مكانه هو يتجاوز جموع المصلين بسرعة وكأنهُ يسابق عصاته القديمة والجنيهات العشر بيده الأخرى …
قدمها للأب … وخرج مباشرةً من المسجد …
….كان أول المتبرعين …
وكان أفقرهم …
صحيفة المشهد الآن
[/JUSTIFY]