تحالف المعارضة .. احزاب صغيرة من اليسار وبعض مجهولي الأبوين السياسيين

مسيرة طويلة وشائكة سار فيها حزب الأمة القومي مع تحالف المعارضة شبيهة فى جوهرها بتلك الملاعب التى وصفها الشاعر العربي القديم بأنها:

ملاعب جنة لو سار فيها ** سليمان لسار بترجمان

فالشاعر القديم وصف الملاعب الخلابة التى رآها بأنها ولفرط احتشادها بالجن فإن سيدنا سليمان عليه السلام الذي يعرف لغة الجن، لو سار فيها لاحتاج مترجماً، وهي صيغة لا تخلو من مبالغة ولكنها على أية حال تعبر عن انعدام القدرة على التفاهم والإدراك.
حزب الأمة القومي ومنذ انخراطه فى تحالف المعارضة بدا مثل (الكُلية المزروعة) داخل جسد ما فتئ يرفضها بحيث لا مفر من إخراجها, والسبب دون أدنى مواربة وكثير اجتهاد أن تحالف المعارضة فى حقيقته ليس سوى (صوت عال) لأحزاب صغير من اليسار وبعض (مجهولي الأبوين السياسيين) إذا جاز التعبير.

وكان رهان الأمة كما كشف جانباً منه لـ(سودان سفاري) قيادي معروف بالحزب فضل حجب اسمه، هو أن يتمكن الحزب من بناء تحالف قائم على أسس محددة وأن توكل إليه رئاسة التحالف ولكن نظراً للثقة المفقودة بين الحزب -تاريخياً- والأحزاب اليسارية فإن الأمر لم ينجح.

حز ب الأمة شكا منذ اليوم الأول بأن التحالف لا يضع اعتباراً لأوزان المكوِّنات التحالفية تاريخياً وسياسياً، فالتحالف يشبه المائدة المستديرة، وهو أمر يعتقد قادة الحزب أنه غير منصف فالأوزان السياسية بحسب الحزب قائمة على كسب جماهيري وينبغي احترامها احتراماً لهذه الجماهير.

غير أن الأزمة الحقيقية التى أطاحت بحزب الأمة ومن ثم تتجه للإطاحة بما تبقى من التحالف تكمن فى غياب الأطر السياسية والقواعد المرعية التى تحكم التحالف، فهذه مفروغ منها، لأن التحالف قام فقط على سُنّة الإسقاط وتغيير السلطة ولا شيء غير ذلك.

لم توضع قواعد منظمة للعمل ولم توضع برامج منتظمة للعمل ولم توضع أسس لكيفية التعامل مع الحكومة وتأجيج بعض مواقفها وانتقاد البعض الآخر كما لم يتقرر برنامج سياسي متكامل لكيفية العمل لبناء وطن بمفاهيم لا تقف عن حد الإسقاط؛ فقد حفل التحالف بمعايب عديدة لا تحصى ولا تعد، هي التى أصابت هيكله بعطب جسيم وما خروج حزب الأمة منه إلا بمثابة عرض فقط للمرض الحقيقي.
التحالف على سبيل المثال يحظر تماماً على أي عضو فيه توجيه النقد له أو تقييم أدائه السياسي علناً! وهذه إحدى عناصر إبعاد حزب الأمة منه مؤخراً حيث تم دمغه بأنه درج على توجيه النقد لأداء التحالف وتبخيس عمله علناً وفي الهواء الطلق.

وهذه النقطة على وجه الخصوص تشكل أمراً خطيراً للغاية، فهي ببساطة شديدة تشير الى أن التحالف لا يؤمن بالنقد وممارسة الديمقراطية (خارج الغرفة الخاصة بالتحالف)!

لا يتحمل التحالف الحديث من خارج ومن وراء الحجرات؛ وهي أمور إذا ما قِيست بأطروحات التحالف المطالبة بالديمقراطية والحرية والقوانين غير المقيدة للحريات تبدو المفارقة فيها هائلة، فالداعين الى الحرية والديمقراطية لا يتمتعون بها داخل هيكلهم المعارض.
من معايب التحالف أيضاً التصاقه الأميبيّ بحركات مسلحة لا يعرف حقيقتها ولا يدرك أهدافها إذ ليس من الطبيعي أن يتحالف تحالف سياسي مع حركات تحمل السلاح ويجلس إليها ويوقع معها المواثيق وهو لا يعرف الى أين تسوقه؟

بل إن فى مثل هذا المسلك (غير المسئول) مخاطر سياسية جمة على التحالف إذ ربما تنجح هذه الحركات المسلحة فى مسعاها ومن ثم يصبح هو ضحية لها إذ تقول سطور التاريخ أنه ما من حامل سلاح يخضع لمن لا يحمله!

من المعايب الكبرى أيضاً للتحالف انه لم يستطع هو فى حد ذاته وداخل سياجه من إيجاد قواسم مشتركة بين مكوناته، فهناك اليمين وهناك الوسط وهناك اليسار. لا شيء يجمع بين هذه المكونات سوى إسقاط النظام، وهي فرضية غير عملية لأن من الجائز أن يتطلب الأمر عملا سياسياً (عبر تفاوض) ومن الجائز أيضاً أن يتطلب الأمر دخول استحقاق انتخابي وتنسيق وبرنامج الانتخابي موحد، فالسياسة لا تقوم بكاملها فقط على فرضية إسقاط نظام عبر طريق التظاهر وسدّ الطرقات بالمتظاهرين، هذه فرضية ضعيفة وجربتها قوى المعارضة عشرات المرات ولم تنجح البتة.

لقد كان محتماً أن يخرج الأمة القومي خروجاً بلا عودة، فقد كانت (حواجز اللغة السياسية) قائمة مثل جبل الهملايا الشاهق، وفي الطريق أيضاً أحزاباً أخرى فى مقدمتها الشعبي ليبقى التحالف الحقيقي فقط فى مضارب قبائل اليسار!

سودان سفاري

Exit mobile version