من المستبعد تماماً أن يكون رهان قطاع الشمال على (قدرات ذاتية) يملكها، أو دعم خارجي يأتيه من موضع بعيد عن جوبا أو دعم داخلي! ومن المؤكد أيضاً أن الفرقتين 9 و 10 المتمركزتين فى جنوب كردفان وجزء منها فى جنوب النيل الأزرق شكلت محوراً استراتيجياً مهماً للقطاع باعتبارها سيفه البتار الذي يبطش به بدعم سخي ومباشر من جوبا.
ولهذا فإن أي تقارب بين جوبا والخرطوم يؤثر بصورة مباشرة وعميقة على القطاع وتحركاته، بل ربما يمتد الأثر ليجعل القطاع أثراً بعيد عين بحكم أن جوبا قد تضطر فى خاتمة المطاف لطيّ صفحته تماماً كما فعلت تشاد من قبل مع الحركات الدارفورية المسلحة وفعلت اريتريا مع المعارضة السودانية المسلحة.
وأثبتت الأحداث فى كل عصور التاريخ أن إمكانية احتفاظ بلد بمعارضة مسلحة تنشط ضد بلد آخر الى الأبد أمر مستحيل؛ كما أثبتت سطور التاريخ أن مصالح الدولة المضيفة بطبيعة الحال تفرض نفسها وتجعل من مصالح الفصيل المسلح مصالحاً ثانوية.
الآن يواجه قطاع الشمال اختباراً صعباً بشأن وجوده، فهو مهدد بالزوال المحتوم طال الزمن أو قصر، وطالما أن مصالح الدولتين الجنوبية والسودانية باتت مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً لا فكاك منه.
لو أن جوبا استطاعت أن تحتمِل وقف ضخ النفط وتحصل على بدائل لتصدير نفطها لقلنا من المحتمل أن تظل على ذات موقفها. لو أن جوبا باستطاعتها الاستغناء عن السودان فى الغذاء والأمن على الحدود والاحتياجات الضرورية لقلنا أيضاً إن قطاع الشمال يتمتع لديها بوضع استراتيجي ممتاز.
جوبا عملياً لا تستطيع التغاضي عن مصالحها الحيوية فى السودان، ولا تملك بدائل لها، وهذه المصالح بالطبع ليست مجانية وليس بلا ثمن، فالسياسة لا تعرف العمل الخيري والصدقات، ومن المحتم أن تضطر جوبا لدفع ثمن علاقاتها الثنائية المهمة مع الخرطوم بالتضحية بقطاع الشمال، فهو لديها (مجرد ورقة) تماماً كما شهدنا كيف استخدمته عند حلول الاستحقاق الانتخابي فى أبريل 2010 قبل الانفصال.
يومها سحب الرئيس الجنوبي بدم بارد قدميّ المرشح الرئاسي ياسر عرمان من على المسرح ليطلب منه الوقوف وراء الكواليس قبل أن يجبره – بقرار – بترك السباق دون إبداء أية أسباب .
لقد ثبت الآن أن قطاع الشمال مجرد ورقة سياسية لدي جوبا ومهما أوتيت جوبا من قوة وقدرات خرافية فهي لا تستطيع تغيير حكومة بلد بدعهم مسلحين. مثل هذه الأمور فشلت فيها حتى الدول الكبرى التى كانت تباهي فى عصور سابقة بأنها قادرة على قلب أنظمة الحكم كما تقلب قبعة الرأس الموضوعية على مائدة.
كما أن جوبا لديها مشاكلها ولديها من يتوقون للإنقلاب عليها وهي دولة وليدة هشة ما تزال فى طورها المائي!
قطاع الشمال لا ينقصه الغباء حين وضع كل رهاناته على الحكومة الجنوبية متغاضياً عن إمكانية انصلاح هذه العلاقة ومتناسياً أو متغافلاً تقلبات السياسة ومنعطفاتها الحادة!
الآن حتى ولو لم تلجم جوبا تحركات قطاع الشمال فإن وجود المنطقة العازلة تجعل من مهمته (مهمة مستحيلة) فالتحرك المسلح صعب إن لم يكن مستحيل والفرار أصعب فالمسافات تباعدت، كما أن تنامي العلاقات الثنائية بين الدولتين سوف يصل فى مرحلة ما -طالت أم قصرت- الى النقطة الحرجة بأن يتم نزع الألغام السياسية من حقول البلدين!
لقد أوشك سحر رايس الذي أودعته في القرار 2046 الخاص بالتفاوض مع قطاع الشمال أن ينقلب علي الساحر، فالقطاع لن يحصل على تفاوض مع الحكومة السودانية إلا فى ظل ظروف مختلفة لا تروق للقطاع تكون فيها العلاقات السودانية الجنوبية قد اجتازت مرحلة الجمود الى آفاق التعاون وتخطي العقبات والأزمات، وسيشعر المواطنين الجنوبيين على وجه الخصوص بثمار إنفاذ المصفوفة وتغيُّر الأحوال الاقتصادية وحينها لن تفكر الحكومة الجنوبية حتى ولو واتتها الرغبة وأرادت إلا في مصالح مواطنيها وسيتعين على الرئيس الجنوبي كما أقال ما يزيد عن الـ50 جنرالاً من كبار قادة الجيش الشعبي قبل أسابيع أن يقيل هذه المرة (حفنة) من الجنرالات السياسيين الذين ظلوا يشكلون عبئاً سياسياً وأمنياً عليه ويعرقلون مصالح بلاده.
قطاع الشمال الآن فى حيرة من أمره فقد بدأت الطرق تنسد أمامه وما من سبيل بديل.
سودان سفاري
[/JUSTIFY]