حيثيات التجميد قامت على أن المهدي تعمّد توجيه نقد للتحالف مخالفاً قواعداً وضعت بهذا الصدد. الخروج المهين للأمة من التحالف تمثل في عدة عناصر أولها أن الحزب خرج بسبب عراك جانبي مع أحزاب صغيرة وليس مع أحزاب مماثلة له في السن والتجربة.
الأمر أشبه بشجار رجل بالغ مع طفل غرير، فأيما كان الطرف المخطئ فإن اللوم يقع عادة على الكبير ومن ثم فإن أي عقوبة تطال الأخير تعد إهانة ما بعدها إهانة له.
العنصر الثاني أن الحزب وإن بدا زاهداً فى التحالف قبل قرار التجميد وقال فيه ما لم يقله مالك في الخمر إلا أنه لم يوفق فى استباق القرار، بالخروج من التحالف قاطعاً الطريق على القرار المهين، وهذه كبوة لا تغتفر بالنسبة لحزب يدّعي العراقة والقدرة على التعامل مع الأحداث بمهارة، ويمكن القول هنا إن الأمة أسهم فى إهانة نفسه!
العنصر الثالث أن الأمة وطوال وجوده فى التحالف فشل فى قيادته -مع أنه الأجدر سياسياً والأكثر حديثاً عن أنه صاحب أغلبية فى آخر انتخابات تعددية فى العاصمة 1986م- فشل الأمة فى قيادة التحالف طوال فترة تربو على الخمس أعوام، وهو أيضاً فى حد ذاته موقف مهين بالنسبة له، إذ على الأقل كان الحزب فى تجربة التجمع الوطني فى التسعينات يتولى الأمانة العامة، وعلى العكس فإن الساحة السياسية المعارضة فى الألفية الثالثة تراجع مستواها وتدنى كثيراً جداً، فما نجح فيه الأمة القومي فى تلك الظروف الصعبة فى تسعينات القرن الماضي، فشل فيه فى ظروف أقل صعوبة فى الألفية الثالثة، وهو ما يكشف أن الحزب بلغ درجة غير مسبوقة من التدني فى الأداء السياسي وتكلس الركبتين وضعف الرؤية وضعف حاسة الاستجابة للأحدث.
العنصر الرابع أن الأمة القومي خرج من التحالف وحيداً، وهذه لا تقل إهانة عن العناصر السابقة الذكر، إذ أن معني الخروج وحيداً أن الخروج لم ينبني على رؤية سياسية موضوعية؛ أي لم يكن هناك (خط سياسي) بعينه طرحه الحزب بإمكانه أن يصبح برنامجاً سياسياً يجتذب الآخرين، وهذا يعني فى جانب منه أن حزب الأمة القومي فى الواقع تحول إلى (منبوذ سياسي) من قبل أعضاء التحالف جعلهم ينبذونه رغم علمهم أنه حزب كبير وعريق بالنسبة لبقية مكونات التحالف!
غير أن هذا كله فى كفة ومصير التحالف بعد الأمة القومي فى كفة أخرى، إذ على الرغم من أن العديد من مكونات التحالف شعرت بقدر من الارتياح وهي تتخلص من الأمة إلا انه لا يعني (سلامة جسد التحالف) فالأزمة من الأساس لم تكن بكاملها تتعلق بانتقادات الأمة للتحالف أو اختراقه له أو إتيانه بمواقف لا ترضي التحالف.
الأزمة كانت وما تزال تتمثل في تزاحم الأضداد والتقاطعات الفكرية والسياسية بين مكونات التحاف وبمعنى أكثر دقة ومباشرة فإن النزاع محتدم بين اليمين واليسار، وهكذا بلا مواربة وقد كانت المعادلة فى السابق متوازنة بدرجة ما، نسبة الى وجود اليمين متمثلاً في الأمة والشعبي.
ومن المؤكد أن الشعبي بعد خروج الأمة سيكون الطرف الأضعف، فهو لن يكون له نصير سياسي من ذات السحنة واللغة والفكرة، ولهذا فإما أن يرتدي زيّ اليسار ولو الى حين استرضاءاً للتحالف، أو أن يصر على زيّه الخاص فيلحق آجلاً أم عاجلاً بالأمة ليحاول الاثنان بناء بيت خاص بهما؛ وهو ما يرشح الشعبي بقوة لكي يكون هو التالي!
سودان سفاري
[/JUSTIFY]