ومع ذلك دعونا نغوص قليلاً فى ما يثيره البعض من هواجس فى هذا المنحي، فقد وجّه الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت دعوة رسمية الى نظيره السوداني المشير البشير لزيارة جوبا فى أعقاب انجلاء الغبار عن معركة القضايا الخلافية العالقة بين الدوليتين. الرئيس كير ترك للرئيس البشير – كما جرت العادة- تحديد ميقات الزيارة .
كما جرت العادة أيضاً فإن الدعوة توجه، والموجّهة له الدعوة يقبلها مبدئياً على أن يحدد الوقت لاحقاً. من النادر جداً أن يتعذر رئيس وجهت له دعوة لزيارة عن تلبيتها اللهم إلا إن كانت الدعوة محددة الميقات سلفاً، وهناك تعارض بين جدول أعمال الرئيس والتوقيت المضروب. ولهذا فإن النظر إنما يتجه نحو ما إذا كانت للزيارة جدوى سياسة أم أنها مجرد زيارة بغرض التحية والمجاملة؟
الواقع إن الزيارة بحسب مصادر مطلعة فى الخرطوم مرتبطة بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه مؤشرات تنفيذ اتفاقية التعاون المشترك، فبقدر ما تنساب بنود الاتفاقية انسياباً حقيقياً سلساً على الأرض وتتغلب على الصعاب والعقبات بقدر ما تتفتح مسام العلاقات ويدخل الهواء اللطيف وتتصاعد إمكانية اللقاء. وتضيف المصادر إن إرادة الدولتين الآن تمتنحان امتحاناً حقيقياً ليُعرف ما إذا كنا جادين فى تجاوز مرارات الماضي وفتح صفحة جديدة أكثر إشراقاً أم أن هنالك تكتيكاً سياسياً يختفي بين الخطوات والتحركات؟
سيكون من الطبيعي جداً أن تنعقد قمة سودانية جنوبية فى جوبا أو فى الخرطوم إذا كان ترمومتر التنفيذ نشطاً وشديد الوثوب والحركة فاللقاء عندئذ سيكون لأغراض تشجيع الطرفين وتنشيط العلاقات ودعمها ومحاصرة الأطراف المتسببة هنا أو هناك فى عرقلة مسيرة التنفيذ، وسيصبح اللقاء بهذه المثابة داعماً رئيسياً لكل رئيس من الرئيسين بحيث يمنحه (طاقة سياسية إضافية) يتغلب بها على معارضيه المحتملين داخل المنظومة الحاكمة الذين قيل أنهم عرقلوا سير إنفاذ الاتفاق .
ولهذا فإن الزيارة التى يفترض أن يقوم بها الرئيس البشير الى جوبا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمدى تقدم العلاقات بين البلدين والمدى الذى وصلت إليه جداول التنفيذ المقررة. أما ما يُقال من أن جوبا ربما تتورط فى توقيف البشير إذا ما حل بأراضيها فإن هذه الفرضية -منطقاً وعقلاً- دونها خرط القتاد كما يقولون، فلو أن جوبا غامرت وفعلت فإنها تكون قد أشعلت حرباً لن تنتهي مع السودان إذ لن يكون التصور حينها أن جوبا فعلت أمراً صواباً إنفاذاً لقرار دولي وإنما يكون التصور أن جوبا اختطت منهجاً سياسياً خطيراً وغير مسبوق فى العلاقات الدولية باستهدافها لرمز سيادة الدولة السودانية، وهو أمر لا يوجد ما يضاهيه فى غلاء الثمن على الإطلاق!
سودان سفاري
[/JUSTIFY]