لا مانع في عرف الدنيا كلها أن تأوي أية عاصمة حركة سياسية أو أي جماعة تؤمن بالعمل السياسي السلمي وتنبذ العنف بل إنه المرغوب عينه والمطلوب.
ولكن أن تلجأ القاهرة وهي سيدة العارفين إلي فصيل مسلح يقود تمرداً رجيماً ويستسهل اللجوء إلي لغة السلاح رغم وجود فسحة للتعاطي السياسي لا مثيل لها في بلدان كثيرة.. فهي ها هنا ترتكب الغلط.. وتسدد إلي العلاقات الأخوية طعنة نجلاء.
إن نظام مبارك الذي يتمتع بعبقرية كبري في الغباء السياسي.. وقدرات هائلة في إيذاء نفسه ومستقبل بلاده من حيث كان يظن أنه يؤذي نظام السودان.
ولشئ من ذلك أغري مبارك بتدليله لتمرد جون قرنق أن يرفع الكولونيل الهالك سقف تطلعاته من مجرد تقاسم الثروة والسلطة إلي تقسيم البلد الواحد الموحد وفصل الإقليم في أسوا نموذج يمكن أن يهدي للقارة في بداية الألفية الجديدة.
وقد أصيبت مصر بالذعر الشديد وهي تري ثمرة الدعم المصري لقرنق وهي تتحول الي انفصال خطير ستكون مصر هي أولي ضحاياه.. ويعطي إسرائيل موطئ قدم علي النيل لخنق مصر مائياً وتهديد منابع النيل.. النيل الذي صدق من قال إن مصر هي هبة النيل الأولي.
إن استضافة مصر لفصيل مسلح هي مباركة له وإشارة خضراء للمضي قدماً في مسعاه.. وهي علامة من علامات الرضا عن أداء شعاره البندقية.. حيث القتل والتدمير وتشريد الآمنين.
سيكون صعباً علي الخرطوم ابتلاع الخطوة المصرية غير الموفقة وسيكون صعباً علي القاهرة إيجاد تبرير للفعل الشنيع خصوصاً في عهد الثورة.. في عهد حزب إسلامي فرحت الخرطوم بصعوده للسلطة علي قدم المساواة مع أفراح المصريين.
كثيرون شبهوا الخطوة غير المتوقعة بما كان يفعله دكتاتور ليبيا الهالك.. عندما كان يأوي الحركات المسلحة السودانية ويغدق عليها الدعم بالسلاح الفتاك والعملات الصعبة.
ولا عزاء لأمثالي الحالمين بدعم مصري وانحياز كامل علي مستوي الدعم العسكري وإحياء اتفاقية الدفاع المشترك.. هل كان الراحل نكروما أكثر حكمة من كثيرين وهو يعلن في بدايات عقد الستين عزمه إرسال قوات من بلاده لمقاتلة تمرد الجنوب لأنه تمرد بالإنابة عن الاستعمار .
صحيفة ألوان
احمد عبد الوهاب