وصارت القصيدة من الأغاني المشهورة جداً وترنّم بها الثنائي ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة… من الأسكلا وحلاّ.. قام من البلد ولّى.. دمعي اللِّي الثياب بلَّ..
ويقال إن أحد معارفه لامه كثيراً على أنه لم يدخل اسم قريتهم في القصيدة مع أنه ذكر كل المواقع بالتفصيل الممل حتى الكوة والجبلين والرجاف.. وقد حاول ود الرضي أن يلحق بيتاً جديداً يدخله في صلب القصيدة ليكسب رضاء صديقه. وسأله عن اسم قريتهم فقال إن اسمها »….. وهو اسم يصعب كتابته.. لأن رئاسة التحرير لن تتركنا نفعل ذلك إضافة إلى ناس الصحافة والمطبوعات والرقابة «القبلية والبعدية».
ولهذا فإن شيخنا ود الرضي لم يدخل اسم القرية الواقعة على النيل الأبيض ولكنه أدخل بيتاً في القصيدة يقول: «عاد لا حول لا قوة حبيبي الليلة في الكوة» بديلاً لاسم القرية. وود الرضي تجاوز اسم القرية «الشين» واستبدله بذكر «لا حول لا قوة» ثم قفز للوصول إلى الكوة.
ولعلنا نذكر هنا أنه منذ عهد الرئيس نميري والإنقاذ حالياً فقد بدأ تغيير الأسماء لكثير من المدن والقرى التي رأى بعضهم أن اسمها «شين» وربما في بعض الأحيان محرج. ومن ذلك ما تم من تغيير لاسم «أم ضبان» إلى أم ضواً بان. مع أن «الضبان» المقصود هنا هو النحل وليس الذباب المنزلي. وتم تغيير اسم قرية «أضان حمار» إلى «الفردوس» وقرية «أم كويكة» تغيّرت إلى أم القرى. وقرية «كريعات» إلى طيبة. و«عدّ الغنم» إلى عد الفرسان.
وقد لا أنسى إحدى القرى التي تقع عندنا في ولاية نهر النيل وكان اسمها «شين جداً» ولا يمكن كتابته أيضاً وتم تغييره باسم آخر إذا قلناه لكم سوف تعرفون الإسم القديم وسوف يزعل أصدقاؤنا من أولاد الدفعة والأصدقاء من أهل هذه القرية.
وعلى كل حال فإن عادة تغيير الأسماء قد تكون من الأمور المشهورة والمتواترة عندنا وربما عند غيرنا، وقد شاهدنا الكثير من الإعلانات الصحفية عن أسماء شركات ومؤسسات أو أسماء أفراد تمّ تغييرها إما لأنها قبيحة أو لمجرد الحصول على اسم ذي حيوية تجارية. وهنا نكرر الطرفة التي تروى عن أحد المصريين وكان اسمه «حسين الحمار» ويبدو أن اسمه هذا قد سبب له الكثير من المضايقات فشاور أهله وذويه وأصدقاءه وأخيراً غيّر اسمه بإشهاد شرعي في المحكمة من «حسين الحمار» إلى «حسين الجحش».
ومن هذه المقدمة الطويلة نريد أن نقفز إلى أننا نلاحظ أن «أهلنا» في لجنة التفاوض مع دولة الدينكا بجنوب السودان قد استبدلوا اسم »الحريات الأربع« بشيء جديد ومسمى يكاد يتوارى من الخجل، اسمه «حقوق المواطنين» وحتى يكون المواطنون »المندكورو« على بينة من الأمر لا بد أن نقول إن «الحريات الأربع» التي طلبها المفاوضون الجنوبيون وبصم عليها «ثعالب» إفريقيا وبضغط من الأمريكان هي حرية الحركة، وحرية التملك، وحرية الإقامة، والجنسية المزدوجة… يعني يا جماعة الجنوبي الذي صوّت بنسبة «99» في المائة للانفصال، وقال سراً وعلانية إنه يكره المندكورو قد تمت إعادته لنا مرة أخرى بعد أن أسس دولة ربيبة للاستعمار ولإسرائيل، وجاءوا به لنا مرة أخرى وأعطوه حق أن يمتلك «زي ما عايز» ويتحرك «زي ما عايز» ويكون سودانياً«زي ما عايز كان عجبكم» ولأن الكثيرين منا لا يعجبهم ذلك فإن إخواننا المفاوضين هذه المرة حفاظاً على مشاعر أهلهم «المرهفة» لم يريدوا أن يقولوا مثل ما قيل في المرات السابقة «كنا نتمنى أن تكون الحريات أربعين أو أربعمائة»، ولكنهم هذه المرة سموها »حقوق المواطنين« وهنا كأنهم استبدلوا اسم «حسين الحمار» بـ «حسين الجحش».
ونقول لأهلنا في الحكومة والقائمين على أمرنا إن الله سوف يسألكم يوم القيامة، فنحن لا نريد حقوقاً مع الجنوبيين، ولا نريد أن تكون لهم حقوق علينا ونريدهم فقط أن يبتعدوا عنا ويتركونا وشأننا وأن يفارقوا طريقنا و«يختونا» ونريد أن نبعد من الشّر ولا نمانع في أن نغني له. فقط نرجو من الحكومة أن «تورّينا» ماذا تريدنا أن نغني لهم… يا جماعة والله العظيم إن الجنوبيين شرّ مستطير وعذاب وسعير وشوكة في الحلقوم وسرطان في الثدي والبروستات، فابعدوهم عنا ما استطعتم وأوقفوا أية اتجاهات ترمي للحريات أو الحقوق في ضوء التسمية الخجولة الجديدة. ونقول مثل ما قال ود الرضي «عاد لا حول لا قوة».
واعلموا أن التعامل والمتاجرة والإقامة والحركة أصلاً كلها أنشطة إنسانية يجب أن يسمح بها وييسرها ويتعامل معها المواطنون قبل أن تفرضها الحكومة في شكل قوانين، ولا نعتقد أن الشعب السوداني سوف يقبل أن يمنح نصف حرية أو نصف حق لأي جنوبي طلب الاستقلال بنسبة «99» في المائة وقال إن المندكورو «أولاد كلب» ويريد الآن أن «يتمطوح ويتصرمح» في بلاد أولاد الكلب، ودعوا الجنوبيين يذهبوا إلى أهلهم غير مأسوف عليهم.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]