الكلام السَّمِح مشى وين ؟ تبقى كلمتك مسموعه ولقمتك مدنوعه

اللغة الدارجيَّة السودانيَّة ملأى بالعبارات الجميلة المفعمة بصدق المشاعر والأحاسيس، فالكلمة الطيبة بخور باطن ومفعولها كالسحر، ويُقال إنها (جواز سفر).. في العقود الماضية كانت العديد من العبارات والدعوات النابعة من طيب خاطر تُستخدم بكثرة مثل (إن شاء الله تبقى شاية وراية أي (ذو شان) ومكانة، يبرد حشا أمك… وتطور الزمن وجاءت أجيال جديدة تحمل عبارات مختلفة ومختصرة ولكنها تفتقر إلى ذلك الطعم العذب وتلك النكهة الجميلة، وتظل هذه العبارات والدعوات راسخة في أذهان بعض الناس خصوصًا الكبار ويقوم بنقلها إلى الجيل الحالي الذي يستخدمها بقلة أو تنعدم عنده بسبب التطور الذي حدث في جميع مناحي الحياة.. من خلال هذا الاستطلاع حاولنا طرح سؤالنا: لماذا اختفت هذه العبارات من القاموس اليومي للمفردات وتم استبدالها بأخرى:

الحاجة آمنة صالح (جدة):
موجودة وأستخدمها
أكَّدت الحاجة آمنة صالح (جدة) أن الناس اليوم أصبحوا (يقعِّدوا) الكلام ويحاولوا يتفلسفوا وتأثر بعضُهم بالمسلسلات التركية والمصرية التي غزت معظم أفراد الأُسر، وزمان الكلام كان بسيطًا ومعبِّرًا ومليان محنَّة وطيبة والدعوات مطوَّلة مثل (الله يخليك في الواطة عِرِق وفي السماء مِرِق) وهذا للعلو ورفعة الشان، و(يكافيك من شر الدَّين وحقوق الوالدَين)، و(يغطيك بجناح جبريل لا ينكسر ولا يميل)… أما الدعوات الآن فأضحت مختصرة مثلاً (الله يخليك)، وأضافت حاجة آمنة: وإذا قدَّم لك أيُّ شخص مساعدة بتقول ليه (الله يديك لمّن يرضّيك).. والآن الناس بقت جافية واستبدلت هذه العبارات بأخرى مختصرة، وأنا مع أبنائي داخل البيت أتحدَّث بها وأحسُّ بارتياح وقبول منهم، وهذه العبارات تُكتسب من داخل البيت وموجودة عند الحبوبات الكبار وأبنائي في البيت يستخدمونها
الشاعر إسحق الحلنقي:
الناس مشاعرها اتجمَّدت
أكَّد الشاعر إسحق الحلنقي أن هناك اختلافًا في اللغة المستخدَمة زمان والآن، وقال إنَّ لغة زمان مليئة بالمحنَّة، أما الآن فنحن نعيش في عصر الأقمار الاصطناعيَّة والتطوُّر وهو عصر مادي حوَّل معه المشاعر وجعل كثيرًا من الناس مثل الآلات في مشاعرهم، والسبب ضغط الحياة والظروف الاقتصاديَّة فأصبحت المشاعر الجميلة باقة من الزهور الذابلة على بستان منسي، وبالتالي أثَّرت علينا، وزمان عند سفر الحبيب نتمنَّى له السلامة وندعو له ونذهب لوداعه ونذرف الدموع… أما الآن فالعواطف إلى حدٍّ ما تجمَّدت، وأضاف: أنا أستخدم هذه الكلمات الطيبة في البيت ومع الناس مثل كفارة ليك يازول… وسلامتك… وهي مؤثرة جدًا لأن الموجة برغم رقتها تفتِّت الصخرة.
سارة عبد الجليل (طبيبة):
انبسط عند سماعها
ابتدرت سارة عبد الجليل (طبيبة) حديثها، وقالت: (يا حليل كلام الحبوبات البشرح القلب وكلامهم جميل ونابع من إحساس صادق، وجدات اليوم أصبحن مواكبات يستخدمنَ النت والإسكاي وحتى استخدامهنَّ للعبارات القديمة يكون بقلة، ومن خلال عملي في المستشفى لا أسمع هذه الكلمات إلا من القادمين من الأقاليم، وعند تقديمك أي خدمة لهم يتدفَّق عليك سيلٌ من الدعوات منهم تُعطيك الإحساس بأنك تعمل عملاً إنسانيًا.
العم عمر
أستخدمها بقلة
(الزمن ما اتغير الناس قلوبها اتغيرت)… هكذا بدأ العم عمر حديثه، وقال: الناس كانوا بسيطين وطيبين وفي أي تعامل بينهم تسمع عبارة جميلة ودعاء ويحاولون تبادل العبارات الطيبة… والآن الكلام بقى شامي ومصري وبالذات بناتنا، وأنا أستخدم العبارات القديمة بقلة وليس تعمدًا مني
بعض العبارات الجميلة التي كانت تقال:
(تتعلى ما تتدلَّى)، (تبقى كلمتك مسموعه ولقمتك مدنوعه)، (يكفيك من جور الزمان وعين النسوان)، (محنه تخدركم)، (يسقيك نداك مع نداك)، (تشيلك عافيتك)، (تلقى الفى مرادك)، (تخدمك السعادة والأيام الطيبة)، (تخدمك الأفراح)، (تلقى مرادك)، إن شاء الله تبقى غابة والناس حطَّابة، إن شاء الله ما نعدمك)، (لا عدمناك).
ريم محمد علي (طالبة)
قالت ريم محمد علي (طالبة) إن هذه العبارات موجودة مثل (الله ينور طريقك)، ودائمًا جدتي تقول لي (الله يوقف لك أولاد الحلال)، وتوجد هذه الكلمات الآن بقلة في المدن وتم الاستغناء عنها بعبارات أخرى لأنها موجودة عند كبار السن.
محمد حسن (موظف):
وجود عبارات جديدة
عزا محمد حسن (موظف) اختفاء هذه العبارات من حياة الناس إلى هجوم الجيل الجديد على القديم بعباراته، وعدم استخدامها داخل البيت لأنك معظم الوقت تقضيه خارج البيت وتحتكّ بأشخاص آخرين لهم ثقافتهم المختلفة عنك… أيضًا التطوُّر واستخدام عبارات جديدة مثل (يا أصلي) يا ماسورة للشخص الذي لا يفي بالوعد، وحتى أفراد البيت دخلت عليهم هذه الكلمات الجديدة وأصبحوا يستخدمونها، ولكن والدي يدعو لي: (ربنا يعدلا عليك)، وأكَّد أن وسائل الإعلام لها دور في الإبقاء على هذه العبارات الأصيلة والعمل على نشرها.
(رباب صديق):
كلام مميَّز
أكدت (رباب صديق) أن أفراد أسرتها يستخدمون العبارات القديمة وقالت: أنا أستخدمها ويقولون لي أنت تربية حبوبات، وأنا أتأثر بكلامهم وأحفظه لأنه مميَّز مازي كلام الأيام دي.
مصعب محمد أحمد (موظف)
قال مصعب محمد أحمد (موظف) (النسى قديمو تاه)، وأكد أنه لم يغيِّر في عبارته التي أتى بها من البلد حتى بعد تخرجه في الجامعة وعمله لأنها عبارات معبِّرة.
بعض الدعوات الجميلة
(إن شاء الله يعدل عليك في الرفيق والطريق)، (إن شاء الله تمسك شباك النبي)… (تتعلَّى ما تتدلَّى)، (قدمك إن شاء الله لأبو إبراهيم، إن شاء الله تبقى شاية وراية)، (إن شاء الله ما تعدم)، (إن شاء الله عمرك يبقى قدر خيطه) ذلك عندما يُهدى لك لبس جديد، (إن شاء الله تشرب موية زمزم مع الحجَّاج)، (الله يصلح حالك)، (إن شاء الله تبقى شاية وراية).
(عبد الله حمد)
قال (عبد الله حمد): أصبح استخدام هذه العبارات بقلة لأن بعض الشباب يحاولون صُنع عبارات خاصَّة بهم تتماشى معهم، ومع ذلك يستخدمونها مثل قولهم (تخدمك السعادة والأيام الطيبة).

استطلاع: أفراح تاج الختم
صحيفة الانتباهة

Exit mobile version