ومن أسباب الصراع تقفز إلى السطح دائماً عوامل الشد والجذب بين مجموعة ومجموعة، عندما تكون هناك جماعات متنفذة ظلت تسيطر على القرار، فيحدث تغيير بموجبه يأتي مدير جديد بعد إعفاء من كان يحمي تلك الجماعة وله قدرة على التفاهم معها، وعندها تنعكس اتجاهات القيادة التي ظلت لحين من الدهر طويل تسير يميناً فتنعطف فجأة تجاه الشمال، ومن هنا يبدأ الصراع بين قديم وجديد، وبين طائفة وطائفة، فتصطدم المصالح، وتفعل مفاعيلها في انتظام سير العمل، وانسياب إجراءاته، مما يلقي بظلاله على المؤسسة أوالوزارة، فتضطرب العلاقة بين الرئيس والمرءوس بالإدارات والأقسام، إلى أن تتمدد ذات الأزمة مقتحمة منظومة العاملين في الدرجات الدنيا من عمال وسائقين، وغيرهم من الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ذلك التغيير الذي أطاح مدير وجاء بآخر.
وسبب آخر أكثر وضوحاً من سابقه يعود إليه ما يحدث من صراع داخل المؤسسات، وهو عندما ينفرط عقد التسلسل الوظيفي، فيتدحرج أصحاب الخبرة المتراكمة من السابقين والأولين إلى أدنى درجات السلم الوظيفي، ويصعد إلى أعلاه بقدرة قادر آخرون ما زالوا في حاجة إلى تجربة، واكتساب معارف، فيشعر عندئذٍ الكبار بأنهم قد ذلوا وأهينوا، ويبدأ الصراع متخذاً شكلاً مختلفاً، وعلى نحوٍ يشير إلى غبينة أحاطت بأصحاب الخبرة، ضد الذين يعتبرونهم قليلي معرفة وصغار سنٍ، وغير قادرين على إدارة اجتماع أومعرفة ما يقود نحو وضع خطة للعمل قصيرة دعك من تنفيذ برنامج ولو كان محدوداً في الوسائل والأهداف.
وقد يكون منطقياً ألا تسند القيادة بالطريقة التقليدية بمعيار الخبرة فقط، ولكن هذا لا يعني أن تكون الخبرة وطول مدتها غير ذات اعتبار.
كما أن الاتيان بمديرين على رأس المؤسسة أوالوزارة، وهم لما بعد قد اكتسبوا خبرة، أو أنهم يعانون من قصور في المعرفة، بالرغم من وجود الأفضل، وعدم الحاجة إلى إرباك التسلسل الوظيفي، وذلك هو عنصر جوهري في إشعال فتيل النزاع بين مكونات المؤسسة وكوادرها، والبدء في تحطيم نظامها الذي نشأت عليه، وفي هذه الحالة ينشأ الصراع الذي يكون مرده إلى عدم احترام معيار الكبير وتوقيره، فلا يكتسب الصغير خبرة، ويعتبر نفسه أكبر من التدريب بحكم الذي وجد نفسه فيه من مركز يوجب عليه أن يتحكم في اتخاذ القرار دون علم أو هدى أوكتاب منير.
وعملية تواصل الأجيال لا تعني تحطيم السقوفات، ولا السفر باستخدام الحمير والبغال، مع وجود السيارات والطائرات.
فالقصة القصيرة يلتزم كاتبها بتسلسل فقراتها، وإلا فسيكون نصها مربوكاً، ومفرداتها ركيكة، وعرضة للنقد والتسفيه من قبل الذين يدركون كيف تكتب القصة وما هي أصول السيناريوهات التي تصمم لها، لتصبح جاذبة لمن تستهويهم قراءاتها، والتمتع بمضامينها.
ولولا التسلسل والاهتمام بترتيب المراحل، وتثمين دور الرجال لما كان وضع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المكانة العلية، والمقام المرموق، ليأتي بعدهم التابعون، وتابعو التابعين، ويحتل العلماء مكاناً جعلهم ورثة للأنبياء، وروى أبوداود والترمذي في حديث أبى الدرداء رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.»
وفي الحلقات التالية سنورد مجمل الأسباب والآثار التي جعلت بعضاً من مؤسساتنا ووزاراتنا في حالة يغلب عليها الصراع والاصطراع، إذ لتلك الحالات صلة مباشرة ببعض الذي أشرنا إليه من أسباب، وسنحاول إبداء مقترحات علنا نضع الأمر ليعود الحال إلى ما يقترب من النصاب، وهذا فيما لوكان الأمر بالوسع والمستطاع.
صحيفة الإنتباهة
د. ربـيع عبـدالـعـاطـى عـبـيـد