وهو في حقيقة الأمر كلب حقيقي مثلما ورد في المسرحية المصرية المشهورة بطولة الممثل أشرف عبد الباقي حيث، كان »المدير« »معصلج« جداً في منحه قرضاً ولكنه أقنعه بأن الكلب »بوبي« يستحق ويستاهل ضمانة القرض لأنه أمريكي الجنسية وأصوله من إحدى ولايات الغرب الأمريكي المشهورة.. وتمت الموافقة على منح القرض بضمان الكلب خاصة وأن رأس المال كان أمريكي المنشأ أصلاً.. والكلب الأمريكي يستحق أن يكون ضامناً أو مضموناً فقط بحكم أنه أمريكي.
وأهلنا المزارعون على امتداد بلاد السودان خاصة في مناطق الزراعة المطرية، ليس لديهم ما يقدمونه من ضمانات للحصول على القروض، لأن الأراضي »الحكر« على قفا من يشيل، وحيث هناك خمسمائة مليون فدان وأكثر وما »عندها سيد« ولا تكفي لتغطية الضمان المقابل للتمويل. كما أن مزارعينا ليست لديهم كلاب أمريكية الأصل تضمنهم للحصول على ما يكفي العملية الإنتاجية. ومزارعونا »يتكلون على الله« فقد يأتيهم الجراد وقد لا يأتي.. وقد يأتيهم المطر.. وقد لا يأتي.. وربما ترتفع الأسعار وربما تنخفض.. وقطاعنا المطري وحده إذا أردنا أن نزرع منه خمسين ملايين فدان فقط سنوياً، فنحن نحتاج إلى ما لا يقل عن ثلاثة ترليونات جنيه بالقديم.. يعني حاجة في حدود خمسمائة مليون دولار.
طيب يا جماعة، إذا علمنا أن رأسمال أي بنك عندنا يتراوح بين عشرين مليون دولار وأربعين مليون دولار على أحسن الفروض.. فهذا يعني أننا حتى لو جمعنا كل رساميل بنوكنا »في صعيد واحد« وخصصناها لتمويل الزراعة المطرية فإنها لن تكفي لتمويل موسم زراعي واحد على المستوى الخاص، بالتحضير الأولي للزراعة وليس تمويل البنيات الأساسية.
وبالطبع يا جماعة.. هذا يعني أن بنوكنا عليها إما أن ترفع من رأس مالها بدرجة عالية أو تندمج كلها في ثلاثة بنوك على الأكثر حتى تقوم بالدور المطلوب منها في التنمية الزراعية.
وبالطبع، هذا الضعف في حجم ورأسمال البنوك يجعل »القطاع الخاص« يبتكر ويخترع أنواعاً أخرى »من البنوك« قد لا تحمل اسم »بنك« ولكنها تؤدي نفس الدور ومن وراء حجاب وبدون تكاليف باهظة. مثلاً اذهب إلى شارع عبيد ختم في الخرطوم أو شارع الموردة في أم درمان أو شارع الإنقاذ في بحري وقم بحصر »الدكاكين« التي أمامها عربات معروضة للبيع… هذه يا جماعة في مظهرها الخارجي قد تكون أماكن لبيع السيارات، ولكنها في حقيقة الأمر ربما تكون عبارة عن »بنوك« قد يصل رأس مال البنك الواحد منها إلى عشرة مليارات جنيه بالقديم، وعددها لا يقل عن خمسمائة »بنك«… وبالطبع ليست عليها أية التزامات ولا قيود ولا رقابة ولا نظام ولا شروط ومدير »البنك« فيها يكتفي بالجلوس على »بنبر« أمام ست الشاي أو »يتحكر« فوق المكتب ولا يحتاج إلى أوراق، ولا أقلام، ولا ماهية ولا سلفية ولا بدل سفرية ولا بدل إجازة ولا حافز ولا لائحة طبية ولا سلفية مباني ولا »يحزنون«… وهذه »البنوك« تقدم قروضاً سريعة وضخمة عالية التكلفة تصل إلى «30» في المائة في الشهر والضمان فيها فقط شيك موقع باسم الدائن أو من ينوب عنه… وتعرف ممارسات هذه البنوك باسم »الكتفلّي والكسر« لكنها تظل أحد المخارج السيئة والنوافذ الأسوأ للتمويل الربوي المجحف الباهظ التكلفة.
والخلاصة يا جماعة.. إما أن نرفع رأسمال البنوك حتى نؤهلها لتمويل التنمية أو ندمجها مع بعضها و»نخلص« أو نبحث عن التمويل الدولي الضخم لأغراض التنمية بضمان »الكلب الأمريكي« خاصة بعد أن توصلنا إلى اتفاق مع دولة الدينكا في جنوب السودان.
والجنوبيون قالوا إنهم سوف »يزحُّوا« أو »يترّوا« عشرة كيلو مترات جنوباً وهذه يا جماعة الخير لا تزيد عن عشرة آلاف متر »بس« وهذه المسافة أقل من محيط الحوش الكبير الذي بناه »حمدنا الله ود خادم الله« تاجر الأراضي في المنطقة العشوائية.. وهذه المسافة تبدو وكأن الجنوبيين »زحّوا« من الكلاكلة الوحدة إلى الكلاكلة صنقعت أو من بري الدرايسة إلى بري اللاماب أو من الحلفايا بالزلط إلى الحلفايا بالكيلو.. والجنوبيون لم يفعلوا ذلك عبطاً ولكن فقط بعد أن قالوا »الروووب« من الجوع وبعد أن أمرهم أسيادهم الأمريكان والإسرائيليون وبعد أن زودوهم بالأسلحة والذخائر التي يصل مداها إلى أكثر من عشرين ألف متر طولي.. ولهذا فإن علينا أن ننام بعين فاتحة وأخرى مغمضة.. ثم أنهم في ذات اليوم الذي كانوا يوقعون فيه معنا مصفوفة الترتيبات الأمنية، تنطلق جحافل قطاع الشمال الغازية نحو »سُركم« بالنيل الأزرق والذين لم يهبطوا من السماء ولم تنشق عنهم الأرض ولكنهم جاءوا من دولة الدينكا بجنوب السودان.. فكيف نفهم أو نثق في مثل هؤلاء الناس، اللهم إلا إذا كان »عندنا قنابير« أو تكون »ريالتنا سايلة«. على كل حال ما سيحدث في نظرنا هو أن الجنوبيين سوف يحصلون على سبعة مليارات دولار خلال عشرة أشهر من تصدير البترول عبر أنابيبنا، ويشترون بها المزيد من السلاح لضربنا، بينما نقوم بإمدادهم بالغذاء والكساء والدواء عبر حدودنا المفتوحة معهم حدادي مدادي.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]