ولكن هناك جريمة أكبر من ضياع خط هيثرو، وهي الجريمة الأصل في كل ما يتعلق بشأن الناقل الوطني، ويعدّ ضياع خط هيثرو واحداً من الجرائم الفرعية لهذه الجريمة الأصل، وهي الخديعة الكبرى في مسألة الشريك الأجنبي الذي هو شركة “عارف” الكويتية، وما أكتبه اليوم حول هذه الخديعة كتبته من قبل أكثر من مرة، ولكن لعله يكون في الالتفاتة الرئاسية الأخيرة للناقل الوطني نجد الملاذ، فيعاد فتح هذا الملف، وكشف خفاياه.
فلما عرض المروجون موضوع شراكة “عارف” قالوا إنها شركة كبيرة وعظيمة، ولها خبرات هائلة في مجال الطيران والأهم من ذلك كله، قالوا إن هذه الشركة تمنح 49% فقط من أسهم شركة الخطوط الجوية السودانية، ويحتفظ السودان بنسبة 51% منها 30% لوزارة المالية و21% لرأسمال وطني سوداني، وقدمت شركة اسمها الفيحاء قالوا إنها ستمثل رأس المال الوطني السوداني، وهي شركة مساهمة خاصة محدودة سودانية فآلت لها نسبة الـ 21% المخصصة لرأس المال الوطني السوداني.
وبعد مضي فترة طويلة اكتشفنا واكتشف الناس كلهم أن 96% من أسهم شركة الفيحاء الوطنية السودانية مملوكة لشركة عارف الكويتية وأن هناك أربعة أشخاص من السودان فقط يمتلكون نسبة الـ 4% الأخرى، بمعنى أن شركة عارف الكويتية صارت بهذه الخديعة هي المالكة لأكثرية أسهم الناقل الوطني، وهذا يخالف الأساس الذي كان ينبغي أن تقوم عليه الشراكة في شركة الخطوط الجوية السودانية، فمن كان يقف وراء هذا البيع الفاسد، ومن غطى عليه، ومن الذي استفاد منه، ومن هم الأشخاص الذين حازوا نسبة 4% من أسهم شركة الفيحاء، وهل دفعوا قيمة هذه الاسم، أم أنها منحت لهم مقابل تمرير هذه الخديعة الكبيرة التي دفع الوطن ناقلها، ويعدّ ضياع خط هيثرو واحداً من إفرازاتها السالبة العديدة، وإذا كان هؤلاء الشركاء لم يدفعوا قيمة هذه الأسهم الأربعة، فتكون النتيجة الطبيعية التي يجب أن يصل إليها كل إنسان، أن هذه الأسهم التي نالها هؤلاء هي ثمن هذا البيع الفاسد، وهنا تكون الجريمة أكبر وأفظع من مجرد ضياع خط..
هذا غير أن شركة عارف الكويتية تأكد أنها ليست لديها أية علاقة بالطيران، أما في مجال مقدرتها المالية الكبيرة، فهذه لم تظهر طوال سنين شراكتها، فلم تدفع شركة عارف شيئا ذا قيمة لتطوير شركة الخطوط الجوية السودانية التي صارت تمتلك 70% من أسهمها بتلك الخديعة النكراء، وتقول أحسن الأرقام إن ما ضخته شركة عارف في الناقل الوطني عيناً ونقداً لم يتجاوز الأربعين مليون دولار وخرجت من هذه الشراكة بعد فضها بـ 125 مليون دولار هذا غير الأموال التي ذهبت لها خلال سنوات التشغيل، لاسيما تلك الأعوام التي كانت فيها سيطرة (عارف كاملة على كل شيء في سودانير فمن يعيد فتح هذا الملف الخطير؟.
صحيفة المشهد الآن
جمال عنقرة