حول منع النشاط السياسي بالجامعات الحكومية

[JUSTIFY]جاء في الأخبار منسوباً لوزير التعليم العالي البروفيسور خميس كجو كندة كما يبدو أن هناك اتجاهاً لمنع النشاط السياسي بالجامعات الحكومية، كانت الإشارة إلى هذا في عنوان خبر منشور ببعض الصحف نقلاً عن برنامج «مؤتمر إذاعي» الذي تبثُّه إذاعة أم درمان كل يوم جمعة الحادية عشرة صباحاً ويقدِّمه الأستاذ الكبير الزبير عثمان. ومعروف أن الوزير نفسه من جيل وسبقته وعقبته أجيال كانت ترى أهمية ممارسة النشاط السياسي في الجامعات. وبروف خميس نفسه كان يحب النشاط السياسي في الجامعة لأنه كان مع إخوانه متعطِّشاً لاستئناف الحياة الإسلامية بواسطة نظام إسلامي.. هذا النظام هو الآن وزير فيه، وقد وصل إلى هذا المنصب بعد أن حاز على كل الدرجات العلمية العُليا وهو بكامل النضج السياسي الآن ومؤهَّل لرئاسة الجمهورية وليس الوزارة فقط. .

وإذا كان السيد الوزير يؤيِّد قبل وصول «الإنقاذ» إلى الحكم في 30 يونيو «1989م» النشاط السياسي في الجامعات لخدمة مشروع الحكم الإسلامي بمزاحمة إخوانه لغير الإسلاميين، إلا أنه الآن لا بد أن يفكر في الاستفادة من النشاط السياسي في الجامعات في حماية عضوية القوى الإسلامية من التناقص والانحسار لصالح غيرها. لكنه تحدَّث عن اتجاه لمنع النشاط السياسي بالجامعات الحكومية بسبب الفوضى التي تضرب الاستقرار الأكاديمي وتؤثر على الأمن الطلابي هكذا يقصد كما يبدو. وقد أشار إلى أن أغلب أعمار الطلاب الجامعيين لا تتعدى الستة عشر عاماً.. أي أنهم غير مؤَّهلين لممارسة النشاط السياسي بصورة تحترم حدود الحريات. ومعلوم أن القاعدة الذهبية تقول بأن حرية الشخص تقف عند حدود حرية الآخر.

لكن ما لم يقله السيًِّد الوزير هو أن بعض النشاط السياسي في الجامعات الحكوميَّة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحركات التمرد في بعض المناطق السودانية. والخطورة في هذا الأمر أن الخطاب السياسي لدى التمرد يختلف منه لدى القوى المعارضة الأخرى، فخطاب التمرد لا يتسم بالقومية ولا يتصف بالوطنية ويركِّز على جعل أبناء الوطن ليس شعباً واحداً، وهذا من شأنه تمرير أجندة اجتماعية سلبية إلى نفوس بعض الطلاب، لتستفيد بعد ذلك من هذه الأجندة القوى الأجنبية فتتلاقح أجندتها مع أجندة التمرد على حساب الهُوية والقومية والوطنية السودانيات. فالشعب السوداني يجمعة دين واحد ووطن واحد وهموم مشتركة، وحتى العنف الطلابي حينما وقع في جامعة الخرطوم قبل أربعة أو خمسة عقود لم يكن بدافع خطاب سياسي متجرِّد من القِيم الوطنيَّة. فالكل كان يتحدَّث عن «وطن» لا إقليم ولا قبيلة. وكان أبناء الإقليم الواحد والقبيلة الواحدة موزعين في كل الأحزاب والجماعات الكبيرة المعروفة. فأول رئيس لحزب الحركة الوطنيَّة الأول من غرب البلاد، وأول رئيس لجماعة أنصار السنة من كردفان وآخر رئيس لها الآن في المركز العام بالسجانة من دارفور، وكان زعيم الحركة الإسلاميَّة في الخمسينيات والستينيات هو المحامي الرشيد الطاهر بكر وتعود جذوره إلى غرب إفريقيا ومؤسس حزب الأمة وكيان الأنصار من دارفور ومن قبيلة الفور هي السيدة مقبولة. لذلك لم يكن في جامعة الخرطوم أو الجزيرة أو جوبا حتى عام 1983م خطاب سياسي يتضمن إشارات من شأنها انتهاك الشرف الوطني، لكن بعد ذاك العام جاءت حركة جون قرنق تتحدَّث عن الجالية
الإسلامية العربية في السودان، ومن وقتذاك انطلق الخطاب السياسي للبعض مشوَّهاً بمثل هذه اللغة القبيحة.

وقد اقتفى أثرها بقية الحركات المتمردة الأخرى. فشعار «السودان الجديد» يعني العمل من أجل «البعض» وليس «الكل».. إذن هو شعار إقصائي عنصري جهوي.. وها هو الآن يرفعه أهله باسم آخر هو «الفجر الجديد». لذلك ينبغي ألا يمنع الوزير النشاط السياسي في الجامعات إلا الذي يرتبط بأجندة التمرد أو «الإلحاد» فهذا هو الذي يفرِّق الشعب.

صحيفة الإنتباهة
خالد حسن كسلا

[/JUSTIFY]
Exit mobile version