ويقول الباحثون إن العوامل الوراثية قد تلعب دوراً أكبر مما كان متوقعاً فى الإصابة بالسرطان
في دراسة نشرت في المجلة العلمية “International Journal of Paleopathology” وأجريت بالمتحف القومي للآثار ببرشلونة، تم فحص ثلاثة مومياوات باستخدام الأشعة السينية والتصوير المقطعي المحوسب المتقدم. وأكثر ما شد الانتباه هو أشعة وصور المومياء الأولى، وهي مومياء لذكر بطلمي مصري، حيث كشفت عن عدة آفات في العظم الكثيف، وخاصة في العمود الفقري والحوض والأطراف، ليشخص بالإصابة بسرطان البروستاتا.
وربط الباحثون في الماضي بين العادات الصحية الخاطئة والمواد المسرطنة على أنها السبب الرئيسي وراء الإصابة بهذا المرض الخبيث. ومع ذلك، فإن حالة المومياء الأولى تشير إلى أن الباحثين في هذا المجال همّشوا دور العوامل الوراثية في تطور السرطان.
وتقول سليمة إكرام، عضو في الفريق البحثي ورئيس قسم علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: “بدأنا نرى أن أسباب الإصابة بالسرطان قد لا تكون بسبب العوامل البيئية بقدر ما هي بسبب العوامل الوراثية. فمنذ القدم، كانت الظروف المعيشية مختلفة للغاية، لم تكن هناك ملوثات أو أغذية معدّلة، وهو ما يؤدي بنا إلى الاعتقاد أن السرطان لا يرتبط بالضرورة إلى العوامل الصناعية فقط.”
وتضيف إكرام “في هذه الأيام، يعتبر السرطان من الموضوعات الساخنة. ويواصل الخبراء محاولاتهم ودراساتهم المستمرة للإجابة عن تساؤل واحد وهو: متى وكيف نشأ هذا المرض؟”
وتعتبر هذه المومياء أقدم حالة للسرطان في عهد قدماء المصريين، وثاني أقدم حالة في العالم. ففي دراسة نشرت بقلم الدكتور شولتز وآخرين في المجلة العلمية International Journal of” Cancer “، أعلن عن ظهور دلائل لإصابة ملك روسي بسرطان البروستاتا. ويقول الخبراء أن الخصائص الإكلينيكية لهذا الملك، الذي توفي وهو في العقد الخامس من عمره، تتشابه مع الخصائص التي تظهر فى مرضى هذا العصر الحديث.
هذا، وقد توصلوا، من خلال الفحص بالمجهر، إلى وجود بعض الآفات السرطانية التى تتشابه مع حالة المومياء الأولى.
وتشير الاكتشافات الأثرية السابقة إلى أن المصريين القدماء لم يغفلوا عن وجود أورام خبيثة. فقد تم توثيق حالات سرطانية قديمة في عام 1500 قبل الميلاد، وذلك في بردية إدوين سميث التي شرحت حالة أولية لسرطان الثدي لامرأة بصورة تفصيلية. وتضمنت المخطوطة المحاولات
الجراحية غير الناجحة التي أجريت لاستئصال ثمانية أورام من خلال المعالجة بالكي.
ويتجدد جسم الإنسان من تلقاء نفسه من خلال إنتاج خلايا جديدة لاستبدال القديمة منها، وذلك عن طريق تقسيم الخلايا، وهى عملية يقوم الجسم من خلالها بنسخ الجينات. إلا أن الانحرافات التي تصيب هذه العملية تؤدي إلى حدوث تحولات بالخلايا، وهو ما قد يتسبب في الإصابة بالسرطان في حالة حدوث ذلك في جزء حرج من الجين وتكراره مع الوقت. لهذا، يصيب السرطان كبار السن بصورة أكبر.
وتوضح إكرام “اليوم، نحن نرى زيادة الوفيات جراء الإصابة بالسرطان لأنه، ولسبب بسيط، أصبحت الناس تعيش لفترات أطول. فكان متوسط العمر المتوقع في المجتمعات المصرية القديمة يتراوح ما بين 30 و40 عاماً، أي أنه من كان يصاب بالمرض، كان يتوفى على الأرجح نتيجة أسباب أخرى غير تطور المرض.”
ولكن، لماذا تم الكشف عن هذه النتائج الآن فقط، بالرغم من إتاحة الآثار القديمة للمكتشفين والدارسين على مدى سنوات طويلة؟ تعد الإجابة بسيطة للغاية: ظهور التكنولوجيا. فقد تمت عملية الكشف عن حالة السرطان بالمومياء الأولى من خلال الاستعانة بماسح متطور متعدد الكاشفات للتصوير المقطعي المحوسب، والذي يمكنه الكشف عن أصغر الأورام حجماً بصورة سريعة. فإن استخدام مثل هذه الأجهزة التشخيصية المتطورة لا يساعد في الكشف عن الجديد في مجال باثولوجيا المومياوات فقط، وإنما يقدم ثروة من المعلومات عن بعض الخصائص مثل الأعمار في وقت الوفاة وأنماط الحياة وتركيبات الجسم.
وهذا يحضر إلى الذهن كلمات كارل ساغان، عالم الفلك الأمريكي، “غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب.” تقول إكرام “يعتبر هذا الاكتشاف ملاحظة مثيرة للاهتمام في تاريخ المرض والتاريخ المصري القديم. فإن مثل هذه الاكتشافات تقربنا أكثر إلى معرفة سبب الإصابة بالسرطان، وفي النهاية، إيجاد علاج لمرض قد حاصر البشرية لفترة طويلة.”
محيط