وكانت جارتنا خديجة عبد الحي كأنما وضعت على لسانها بصمات بأن «تدعي» أبناءها وكل كلمة منهم لها مرادف عندها، ولكل فعل ما يماثله من الدعاء، وكأنما تمت برمجتها على ذلك.. شيلي السرير يا بت يشيل نعشك.. اقري قر ينفخك.. نوم يا ولد تنوم فيك حيطة .. قومي تقوم قيامتك، اسكتي يسكت حسك ، ولها في ذلك فنون بل هي موسوعة في ذلك اسمع منها ما لا اعرف معناه فالجأ الى أمي لتوضح لي المقصود، كلمات تصم لها الآذان، ومعاني تقشعر لها الابدان لو اصابت العدو لدمرته ولكنها تخرج من لسان أم تزجر بها ابنائها.
سألت سمية عابدين عن ذلك فقالت: أنا اعتقد ان اهلنا في الجزيرة اكثر من يجيد فن التَدعي، وانا مازلت اذكر ان احدى خالاتي كانت تنادي ابنتها فاذا ما قالت لها: نعم تقول لها: النعامة التزوزي بيك، واذا قالت: جيت، تقول ليها تجيك الطاوية حبالها وسايقة عيالها، واذا قالت : هوي تقول ليها الهوا اليشقك، واذا قالت: حاضر تقول لها: يحضر كفنك، لتقول سمية يعني في كل الحالات ما في طريقة، مافي طريقة ، وتضيف: لكن اعتقد ان هذا مما جرى به اللسان واكيد لا يخرج من القلب، والتدعي ثقافة سادت وانتشرت من خلال التربية الخاطئة والعادات التي حان الوقت لأن تتراجع.
وتوافقها سعيدة حسن في حديثها الاخير عن ان التعليم لم يؤثر، ولم تزل في قراهم في «شندي» هذه الظاهرة، وان كانت تراجعت بعض الشيء، ولكنها اكدت على جهل أغلب الامهات بمعاني الدعاء الذي يطلقنه على ابنائهن اعتمادا على ثقافة الاستماع والتقليد.
حاجة السرة بت عمر التي سمعتها كثيراً وهي تدعو على احفادها ولكنها كمن يتحايل على القدر، ترغب في ان تدعي عليهم وتبعد عنهم التأذي، وسألتها عن موقفها ان اصيبوا بشيء من هذا، فقالت وقد ملأت فمها ثقة: انا اقول ليهم «الصمرقعة» في الشتاء والنجمة في الخريف، ولكن المعروف ان النجوم تكون في الصيف والصمرقعة في الخريف، وتقصد بالصمرقعة «الرعد».
وعلى العكس من ذلك تماماً تقول ستنا خالد: الحمد لله كبرنا وربينا لا دعينا لا دقينا، وأولادنا بقوا رجال وبناتنا نسوان، وأمي رحمها الله كانت بتقول لينا دق الوالد لولده زي دق المطر للارض الزراعية لا بياذي ولا بيضر وما بنتج الا الزراعة الطيبة. وتقول: اوعكم والدعاء على اولادكم علشان دعوة الوالد مستجابة، وعلى ذات النسق يقول حاج الفاضل: اولادنا ما دعيناهم ولا دقيناهم، لكن ربيناهم بالنهرة وقولة يا ولد ويا بت كانت كافية، ولكنه استدرك بقوله: لكن اولاد الزمن دا صعبين خلاص وربنا يقدر اهلهم عليهم، ومع كده ده ما بديهم حق يدعوهم لانه ما معروف يمكن تصيب وساعتها ما بنفع ندم.
«حقيقة ان تدعو الام لابنها فهذا هو الاصل، ولكن ان تدعي عليه فهذه سمة امهات الزمن ده» هذا ما ابتدرت به هادية محمود حديثها وتضيف: «أقيم مع اختي ولها ثلاثة اولاد وهي لا تكف طوال اليوم ولا تمل من ان تدعي عليهم، وأسعى أنا ووالدهم إلى أن نحذرها من مغبة ذلك، ولكن للأسف لسانها جرى على ذلك، فهي مع هذا لا تتحمل فيهم «طعنة الشوكة».
ونختم حديثنا بالسؤال: «لماذا ندعو على أبنائنا؟ وماذا لو أمن على دعائنا ملك؟».
صحيفة الصحافة [/JUSTIFY]