ومع كل تلك المساحات «الفاضية» فإن وزارة الاستثمار أو وزارة الزراعة عندما تقوم بالتصديق لأحد المستثمرين بقطعة أرض لاستزراعها بعد استصلاحها تقابله الكثير من العقبات منها أن هذه الأرض تتبع أو مسجَّلة بأسماء أشخاص ماتوا وفاتوا عن هذه الفانية… ومنها أن هذه الأرض «تركة» لمجموعة من النساء والرجال وهؤلاء «تزوجوا وولدوا وطلقوا وعرسوا تاني وولدوا تاني» وبالتالي «تفرَّق دم» هذه المساحة بين القبائل… وعندما يأتي المستثمر لاستغلال الأرض في أي «خلاء» أو أي مكان «فاضي» وعندما يُحضر الآلات والبلدوزرات يقابله الناس من كل فج عميق وهم يحملون «العكاكيز والعصي والهراوات والنبوت» وبعضهم يهلل ويكبر وبعضهم يصيح ويقول «دخلوها وصقيرها حام» وآخرون يقولون «وروني العدو واقعدوا فرّاجة». وعندها بالطبع يرجع المستثمر لأهله ويترك حاجة اسمها استثمار بالسودان وتظل الأرض قاعاً صفصفاً إلى يوم يُبعثون. وأخونا البروف محمد عبد الله الريح روى القصة الخاصة بالمستثمر الذي تحصل على تصديق الجهات المختصة… وأحضر المال والدولارات واستورد الطلمبات والعربات والجرارات وبدأ في إقامة الترعة الكبيرة من النيل حتى أقصى الصحراء مروراً بالمنطقة الحجرية التي ظلت «قاعدة ساكت» منذ ما قبل عهد عبد الله التعايشي وحتى الإنقاذ… ولكن اعترضه «الجمهور الكريم»… وبعضهم ادَّعى أن جدهم كان «يبول» تحت الشجرة الكبيرة «ديك» وأحدهم قال إن العظام المنثورة هي عظام الحمير التي كان يملكها جده الرابع عشر… وبعضهم قال إن جده الثالث تصادف أنه كان مسافراً و«قضى الحاجة» في هذه المنطقة قبل مائة وتسعين عاماً… والمستثمر عرض عليهم أن يُعطي كل واحد منهم عشرين فداناً ليزرعها مجاناً ويقسم معهم الأرباح ويقيم لهم المدارس والمساجد والمستشفى ثم بعد ذلك يترك لهم الأرض لصالحهم بعد ثلاثين عاماً ولكنهم رفضوا رفضاً باتاً… والمستثمر رجع إلى أهله ولم يتمكن من إرجاع الجزء الذي استثمره. والآن نقول إن على الحكومة أن تقوم «بقلع» الأراضي ومصادرتها عنوة بغرض الاستثمار.
ولا يهمنا إن كان جدهم أو جدتهم قد بال أو قضى الحاجة في هذه الأرض أو تلك.. قبل مائة عام أو تزيد.
ويتلخص الأمر في تحريك الخلايا النائمة وإحراق المركبات والمحطات وتشريد النساء والأطفال ونشر الدمار والخراب في كل ركن من أركان البلاد… وعلى الذين لا يصدِّقون ما نعتقد أن يتفكروا ويتدبروا ويثقوا أن ما نقوله سوف يحدث قطعاً…
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]