وللإجابة على هذه التساؤلات، يؤكد الخبراء الألمان أن هذه التداعيات ترجع إلى أن ساعات النهار تبدأ بالانخفاض في الشتاء، ومن ثم تقل الفترة التى يتعرض فيها الإنسان للضوء مما يجعل الجسم يفرز المزيد من هرمون “الميلاتونين” وهو الهرمون الذي يسبب حالة من الخمول والكسل، لذا يكون المرء في الشتاء في حاجة مستمرة إلى قدر إضافي من النوم، كما يعاني من الافتقار المستمر إلى الطاقة والقوة ويعاني من القدرة على التركيز وكذا الافتقار إلى الحيوية بوجه عام.
ويعد الحرمان من الضوء خلال أشهر البرد السبب فى حالة الإكتئاب التى يتعرض لها الأفراد، ويبدأ الكثيرون فى الإنفراد بأنفسهم فى عزلة اختيارية، ويفقدون الرغبة فى مقابلة الآخرين عقب الإنتهاء من العمل مفضلين الجلوس فى كسل أمام شاشات التلفاز قبل التوجه للنوم مبكرا، وفى صباح اليوم التالى يجدون صعوبة فى الاستيقاظ.
ويؤكد البروفسور أورليخ فودرهولزر رئيس الجمعية الألمانية للعلاج النفسى والعصبى فى برلين، إلى أن الضوء يتحكم فى مستوى مادة “الميلاتونين” بالجسم كما يؤثر فى نظام مادة “السيروتينين”.
وتنظم مادة “الميلاتونين” الناقلة للإتصالات العصبية دائرة النوم واليقظة والحاجة للنوم فى حين يكون لمادة “السيروتينين” تأثير محفز مباشر كما أنها تعمل على تحسين الحالة المزاجية للأفراد.
ويوضح فودرهولزر أن الأعراض تتقلص عندما تصبح فترة النهار أكثر طولاً مرة أخرى، مؤكداً أنه بسبب أن الضوء يعرقل إفراز “الميلاتونين” فى الجسم، ينبغى على الذين يعانون من هذه الأعراض قضاء أطول وقت ممكن خارج منازلهم.
ويضيف فودرهولزر إن التدريبات الرياضية تعد علاجاً ثبت نجاحه للإكتئاب، كما أن تنظيم دائرة النوم والاستيقاظ يمكن أن يكون مفيداً أيضاً ويجب على الذين يعانون من أعراضه الإلتزام بهذه الدائرة حتى خلال عطلات نهاية الأسبوع، ثم أن الاستيقاظ مبكراً يعرضهم لمزيد من ضوء النهار بغض النظر عن حالة الطقس.
وبالنسبة لمعظم الأشخاص فإن فترة التراخى هذه تمر دون آثار كبيرة، غير أن مجموعة قليلة من الأفراد تعانى من مشاعر الاكتئاب المرتبطة بفصل الشتاء أو ما يطلق عليه بصورة مبسطة “كسل وخمول الشتاء”، وبغض النظر عن الكسل والإرهاق فإن هذه المجموعة القليلة غالبا ما تعانى من أعراض مختلفة للمتاعب النفسية المرتبطة بالإكتئاب.
وأشار ديتر كونز إخصائى الأمراض المزمنة وكبير الأطباء فى قسم علاج اضطرابات النوم بمستشفى سان هيدويج فى العاصمة الألمانية برلين، إلى أن هذه المجموعة تتزايد لديها الحاجة للنوم وتناول الأغذية الغنية بالمواد النشوية والسكرية مثل الشيكولاتة، موضحا أن الإكتئاب غالباً ما يصاحبه أرق وفقدان الشهية.
ويقدر كونز أن ما يتراوح بين 3 و 5 فى المئة من مواطنى ألمانيا يعانون من أعراض الإكتئاب الشتوي، بينما يتعرض ما نسبته 25 آخرون إلى تغيرات فى الحالة المزاجية.
ويوضح كونز أن هذه هى نفس الآليات التى تتعرض لها الحيوانات قبل فترة البيات االشتوي، ولم تعد هذه الآليات تعمل لدى الإنسان لأنه يحصل على الغذاء طوال أيام العام، ويحدث الاكتئاب الحقيقى عندما تظهر أعراضه بانتظام فى فصلى الخريف والشتاء.
وقد كشف العلماء النقاب عن طريقة جديدة للخروج من هذه الحالة أطلقوا عليها “العلاج بالضوء”، تتمثل هذه الطريقة العلاجية في استخدام مصباح خاص لتوفير الإحساس بأشعة الشمس الساطعة.
وتقوم فكرة العلاج الضوئي هذه على أساس أن الأشعة البيضاء المنبعثة من المصباح تتخلل شبكية العين ومن ثم تعمل على تحفيز وتنشيط مناطق معينة في المخ والتي تفرز بدورها هرمون السيروتونين، وبالتالي ستكون النتيجة تفكير أوضح ونوم أفضل وقدرة على الاستمتاع بالحياة إلى أقصى حد.
وتختلف فترة النظر إلى المصباح على قدر قوته إذ أن المصباح الأقوى ضوءاً يتطلب النظر إليه 30 دقيقة فقط يومياً، في حين أن المصباح ذو الضوء الأقل قوة يحتاج النظر إليه إلى ساعتين يومياً.
ومن جانبه، يقول مالك باجبوج أحد خبراء علم النفس إن أفضل وقت لاستخدام علاج الضوء هو فترة الصباح حيث يتعرف الجسم على أن النهار قد بدأ.
الشمس وفيتامين “د”
وفي إطار الحديث عن العلاج بالضوء لا ننسى دور أشعة الشمس في علاج العديد من الأمراض، فقد أكدت الجمعية الألمانية للتغذية أن دقائق قليلة من أشعة الشمس أسبوعياً تقوى إفراز الجسم لفيتامين “د”، مشيرة إلى أنه خلال أشهر الصيف يكفى تعرض الوجه واليدين والذراعين لأشعة الشمس لفترة تتراوح بين 5 و15 دقيقة ثلاث مرات أسبوعياً كي يفرز الجسم فيتامين د.
ويساعد فيتامين “د” على ضبط عملية الأيض بالنسبة للكالسيوم والفوسفات وبناء العظام والحفاظ على سلامتها، كما يتوافر فيتامين د فى اللبن وأسماك الرنجة والاسقمرى ” الماكريل “، والتونة، والكبدة، والبيض والمرجرين ” سمن صناعي نباتي “، وعش الغراب.
المرأة أكثرعرضة للاكتئاب
وقد أفادت دراسة مصرية حديثة بأن المرأة أكثر عرضة للاكتئاب من الرجل، وذلك بسبب الاختلافات البيولوجية والكيميائية الخارجة عن ارادتها.
وأشارت منال القاضي أستاذة الأمراض النفسية والعصبية، إلي أن حالة المرأة المزاجية تتحكم فيها كيمياء المخ، حيث أثبتت الدراسات الحديثة أن مخ المرأة يفرز مستوي أقل من مادة “السيروتونين” عن الرجل مما يجعلها أكثر تعرضاً للإصابة بالاكتئاب.
أما الأسباب الهرمونية فهناك هرمون ” الميلاتونين” الذي يفرز ليلاً وتفرزه المرأة أيضاً في الشتاء أكثر من الرجل, حيث أنه كلما ارتفع مستوي “الميلاتونين” انخفض مستوي “السيروتونين” ولذلك تتعرض المرأة للاكتئاب الموسمي، بينما لا يتعرض له الرجل، وتتمثل أعراضه في الميل إلي النعاس وبطء في الاستجابة للمؤثرات الخارجية والإفراط في الطعام.
وأوضحت القاضي أن حدوث الانفعالات والضغوط العصبية تفرز الغدة الكظرية عند المرأة، فتزيد من مستويات هرمون “الكورتيزول” الذي يؤدي إلي زيادة إفراز “الاستروجين” الذي يحول دون عودة “الكورتيزول” إلي مستوياته الطبيعية وينتج عن هذا التغير الهرموني الشعور بالاكتئاب.
أطعمة تحميك من الاكتئاب
وقد أعلنت دراسة صينية عن وجود 10 أنواع من الأطعمة تمنح المرء شعورا بالسعادة وتقاوم الاكتئاب.
وتشمل هذه الأطعمة أسماك أعماق البحار والموز والجريب فروت وخبز القمح والسبانخ والكريز والثوم والقرع والحليب منخفض الدهون والدجاج.
وذكرت مجلة الأبحاث الطبية الصينية أن هذه الأطعمة تحتوي علي الحامض الدهني أوميجا 3 وقلويات وفيتامين سي وإيه 6 والحديد وعناصر غذائية أخري تزيد من افراز هرمون سبرونونين المنعش والمهدئ للأعصاب.
المصدر :محيط [/ALIGN]